واتّجاهاته قبل ذلك يسمح لنا باعتبار الشيخ الطوسي حدّاً فاصلاً بين عصرين من عصور العلم ؛ بين العصر العلمي التمهيدي والعصر العلمي الكامل ، فقد وضع هذا الشيخ الرائد حدّاً للعصر التمهيدي ، وبدأ به عصر العلم الذي أصبح الفقه والاصول فيه علماً له دقّته وصناعته وذهنيته العلمية الخاصّة.
ولعلّ أفضل طريقةٍ ممكنةٍ في حدود إمكانات هذه الحلقة لتوضيح التطور العظيم الذي أحرزه العلم على يد الشيخ الطوسي أن نلاحظ نصَّين ، كتب الشيخ أحدهما في مقدّمة كتاب «العدّة» ، وكتب الآخر في مقدّمة كتاب «المبسوط».
أمّا في كتاب «العدّة» فقد كتب في مقدِّمته يقول : «سألتم ـ أيّدكم الله ـ إملاء مختصرٍ في اصول الفقه يحيط بجميع أبوابه على سبيل الإيجاز والاختصار على ما تقتضيه مذاهبنا وتوجبه اصولنا ، فإنّ من صنَّف في هذا الباب سلك كلّ قومٍ منهم المسلك الذي اقتضاه اصولهم ، ولم يعهد من أصحابنا لأحدٍ في هذا المعنى إلّا ما ذكره شيخنا أبو عبد الله رحمهالله في «المختصر» الذي له في اصول الفقه ولم يستقصه ، وشذّ منه أشياء يحتاج إلى استدراكها وتحريرات غير ما حرّرها ، وإنّ سيّدنا الأَجَلّ المرتضى ـ أدام الله علوّه ـ وإن أكثر في أماليه وما يقرأ عليه شرح ذلك فلم يصنِّف في هذا المعنى شيئاً يرجع إليه ويجعل ظهراً يستند إليه ، وقلتم : إنّ هذا فنّ من العلم لا بدّ من شدّة الاهتمام به ؛ لأنّ الشريعة كلّها مبنيّة عليه ، ولا يتمّ العلم بشيءٍ منها دون إحكام اصولها ، ومن لم يُحكم اصولَها فإنّما يكون حاكياً ومعتاداً ، ولا يكون عالماً» (١).
وهذا النصّ من الشيخ الطوسي يعكس مدى أهمّية العمل الاصولي الذي
__________________
(١) عدّة الاصول ١ : ٣ ـ ٤