بهجرته إلى النجف انفصل عن حوزته الأساسية في بغداد ، وأنشأ حوزةً جديدةً حوله في النجف ، وتفرّغ في مهجره للبحث وتنمية العلم ، وإذا صدقت هذه الصورة أمكننا تفسير الظاهرة التي نحن بصدد تعليلها ، فإنّ الحوزة الجديدة التي نشأت حول الشيخ في النجف كان من الطبيعي أن لا ترقى إلى مستوى التفاعل المبدِع مع التطور الذي أنجزه الطوسي في الفكر العلمي ؛ لحداثتها.
وأمّا الحوزة الأساسية ذات الجذور في بغداد فلم تتفاعل مع أفكار الشيخ ؛ لأنّه كان يمارس عمله العلمي في مهجره منفصلاً عن تلك الحوزة ، فهجرته إلى النجف وإن هيّأته للقيام بدوره العلمي العظيم لِمَا أتاحت له من تفرّغٍ ولكنّها فصلته عن حوزته الأساسية ، ولهذا لم يتسرّب الإبداع الفقهي العلمي من الشيخ إلى تلك الحوزة التي كان ينتج ويبدع بعيداً عنها ، وفرق كبير بين المبدِع الذي يمارس إبداعه العلمي داخل نطاق الحوزة ويتفاعل معها باستمرارٍ وتواكب الحوزة إبداعه بوعيٍ وتفتّحٍ ، وبين المبدِع الذي يمارس إبداعه خارج نطاقها وبعيداً عنها.
ولهذا كان لا بدّ ـ لكي يتحقّق ذلك التفاعل الفكري الخَلَّاق ـ أن يشتدّ ساعد الحوزة الفتية التي نشأت حول الشيخ في النجف حتّى تصل إلى ذلك المستوى من التفاعل من الناحية العلمية ، فسادت فترة ركودٍ ظاهريٍّ بانتظار بلوغ الحوزة الفتية إلى ذلك المستوى ، وكلَّف ذلك العلم أن ينتظر قرابة مائة عامٍ ليتحقّق ذلك ، ولتحمل الحوزة الفتية أعباء الوارثة العلمية للشيخ حتّى تتفاعل مع آرائه وتتسرّب بعد ذلك بتفكيرها المبدع الخلّاق إلى الحلّة ، بينما ذوت الحوزة القديمة في بغداد وانقطعت عن مجال الإبداع العلمي الذي كانت الحوزة الفتية في النجف ـ وجناحها الحلّي بصورةٍ خاصّةٍ ـ الوريثة الطبيعية له.
٢ ـ وقد أسند جماعة من العلماء ذلك الركود الغريب إلى ما حظي به الشيخ الطوسي من تقديرٍ عظيمٍ في نفوس تلامذته رفعه في أنظارهم عن مستوى النقد ،