بمعنى أن جنس الفعل مما يقدر عليه قومه إلا أن النوع المعجز لا يقدرون عليه ، فالقرآن الكريم نوع في جنس الكلام ، فهم يقدرون على الكلام كجنس إلا أنهم عجزوا عن الإتيان بمثل هذا النوع من الكلام.
ومن علماء المسلمين من رفض أن يكون جنس المعجزة مما يقدر عليه العباد ، يقول الباقلانى فى إعجاز القرآن فلا «يصح دخوله تحت قدرة العباد وإنما ينفرد الله تعالى بالقدرة عليه .. لأنه لو صح أن يقدروا عليه بطلت دلالة المعجز» (١).
غير أن كلام الباقلانى مدفوع باعتبار أن كل حادث مقدور لله تعالى ، وأفعال العباد مقدورة لله وهو خالقها والاعتبار في فعل مدعى النبوة كونه خارقا.
الثانى : أن يكون خارقا للعادة إذ لا إعجاز دونه (٢) لأنه لو كانت «المعجزة عادة معتادة يستوى فيها البار والفاجر والصالح والطالح ومدعى النبوة المحق بها والمفترى بدعواه لما أفاد ما يقدر معجزا وتنصيصا على الصادق» (٣). أى أن يكون خارقا لما اعتاده الناس واستمروا عليه مرة بعد أخرى لتمييز المدعى عن غيره ، وهذا الأمر «قد يكون إتيانا بغير المعتاد وقد يكون منعا من المعتاد» (٤).
ولكن قد يقول قائل : كيف «يتيقن العاقل كون ما جاء به النبى خارقا للعادة ، وقد استقر في نفسه ما اطلع الحكماء عليه من خواص الأجسام وبدائع التأثيرات ، حتى توصلوا إلى قلب النحاس ذهبا إبريزا ... فما يؤمننا أن يكون مدعى النبوة قد عثر على سر من هذه الأسرار وتظاهر به؟» (٥).
أجاب الجوينى بأننا نضطر إلى العلم بأنه ليس في القوى البشرية والفكر الحكيمة إحياء العظام بعد ما رمت وإبراء الأكمه والأبرص وقلب العصا حية.
المقصود أن حجة النبى لا تكون كذلك حتى تعجز الناس ـ بل الأنس والجن ـ وتخرج عن حد طاقتهم.
الشرط الثالث : اقتران المعجزة بدعوة النبى ، بمعنى أن يقع الأمر المعجز عقب دعوى المدعى للنبوة. أى يجب أن يكون المعجز حادثا في المدلول عليه وفي زمانه.
غير أن الإمام ابن تيمية رفض هذا الشرط ، لأن الآيات ما هى إلا «شهادة من
__________________
١ ـ الباقلانى : إعجاز القرآن ج ١ ص ٢٨٨ بهامش الإتقان في علوم القرآن ط الحلبى ١٣٧٠ ه.
٢ ـ الايجى : شرح المواقف ج ٢ ص ٤١٠.
٣ ـ الجوينى : السابق ص ٣٠٩.
٤ ـ الرازى : محصل أفكار المتقدمين ... ص ١٥١.
٥ ـ الجوينى : السابق ص ٣١٢.