جاء به من شرع؟
المشهور عند جمهور العلماء تقرير نبوة الأنبياء بالمعجزات ، بمعنى أنه لا بد من إظهار معجزة تدل على صدق المدعى «فإذا أتى بها وبان لقومه وجه الإعجاز فيها لزمهم تصديقه وطاعته» (١) وبالغ بعضهم حتى قال : إن نصب دليل على صدق النبى غير المعجزة غير ممكن (٢) حتى لو «صدق بالخبر لم يستغن عن معجز ، وإذا دل عليه بالمعجز استغنى عن الخبر» ، فالدليل على نبوة أنبياء الله المعجزات ، وإن كان يدل بالخبر على جهة التأكيد (٣).
نخلص من ذلك إلى ضرورة المعجزات للدلالة على النبوة أما الذين لم يشترطوها واكتفوا بسلامة شرع المدعى دلالة على صدقه فإننا نقول : إن الله لم يخلق شيئا عبثا فلا بد للمعجزة من وظيفة هى إخضاع العقول وإجبارها على التصديق ، ومن ثم يمكن القول ـ أيضا ـ بأن سلامة شرعه حجة وليست الحجة. أما إذا أنكر المستشرقون خرق العادة أو القانون ـ كما أنكر أسلافهم انشقاق القمر لنبينا «صلىاللهعليهوسلم» ـ فهم بذلك منكرون للمعجزات ، منكرون معجزات موسى وعيسى ، منكرون للنبوات كلها ، وعندئذ يكون كلامنا معهم على محور آخر.
أما إذا خلطوا بين المعجزة والسحر ـ كما قالوا : ساحر أو مجنون ـ فذلك متهافت من وجهين ، كما يقول الإمام الماوردى الشافعى : الأول : «أن الشعبذة تظهر لذوى العقول وتتدسس على الغر الجهول ، فخالفت المعجزة التى تذهل لها العقول» الثانى : «أن الشعبذة تستفاد بالتعليم فيتعلمها من ليس يحسنها فيصير مكافئا لمن أحسنها ويعارضه بمثلها والمعجزة مبتكرة لا يتعاطاها غير صاحبها ولا يعارضه أحد بمثلها كما انقلبت عصا موسى حية تسعى تلتقف ما أفكه السحرة» (٤) فلو كان السحر معجزة إلهية لما ظهر من السحرة العجز والانقياد لموسى ـ عليهالسلام ـ عند مشاهدة قلب العصا حية.
فضلا عن أن السحر «تخييل يخدع الأعين فيريها ما ليس بكائن كائنا ، قال تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) [طه : ٦٦] ، والكلام في حبال السحرة وعصيهم وفي آية أخرى (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) [الأعراف : ١١٦].
السحر إذن إظهار شىء للإحساس على خلاف حقيقته بوجه من وجوه التمويه ،
__________________
١ ـ البغدادى : أصول الدين ص ١٧٣.
٢ ـ الجوينى : السابق
٣ ـ الرازى : محصل أفكار. ص ١٥١ ، ابن حزم : الفصل ج ١ ص ٩١.
٤ ـ الماوردى : أعلام النبوة ص ١٥ ، ١٦ مطبعة التمدن المصرية ١٣٣٠ ه