وهذا يحدث في نفس الرائى وإحساسه.
كما أن الساحر لا يمكنه التحدى والدعوة ، وانتفاء هما يخرجان السحر «عن أن يكون معجزا مشبها لآيات الرسل» (١) أما إذا ادعى صاحب خارقة النبوة وتحدى بها كذبا فإن الله تعالى يعجزه ويبطل ادعاءه بوسائل عديدة منها :
الأولى : ينسيه الله تعالى عمل السحر.
الثانية : يقدر الله تعالى بعض خصومه على معارضته بمثلها في حال دعواه فيها فيعلم أنه كاذب في دعواه الرسالة (٢).
ومع هذا فإن علماءنا فرقوا بين المعجزة والسحر ، بين الصادق والكاذب تفريقا حاسما ودقيقا وذلك بوجوه :
الأول : أن النبى صادق فيما يخبر به ـ عن الله ـ لا يكذب قط ، أما السحرة والكهان لا بدّ أن يكذبوا ، كما قال تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)) [الشعراء ٢٢١ ، ٢٢]» (٣). السحر إذا لا يأتيه إلا الفاسق.
الثانى : المعجزة «غير مكتسبة ولا معروف بها النبى قبل إتيانها» (٤). أما السحر «والكهانة فيناله الإنسان بتعلمه وسعيه واكتسابه وهذا مجرب عند الناس» (٥). يؤيد ذلك ما كان من سحرة فرعون لما انقلبت عصا موسى حية وتلقفت عصيهم فقد خروا له ساجدين وما دفعهم إلى ذلك إلا علمهم أن موسى لم يعرف السحر ولم يتعلم فنونه لأنه تربى بينهم وهم قد تعلموه ونبغوا فيه.
الثالثة : الحيلة «تفتقر إلى آلات وأدوات لو فقدت واحدة منها لم تنفذ وليس كذلك المعجزة» (٦).
الرابعة : أن آيات الأنبياء «لا يمكن أن تعارض بالمثل ، فضلا عن الأقوى ، ولا يمكن لأحد إبطالها بخلاف خوارق السحرة والشياطين فإنه يمكن معارضتها بمثلها وأقوى منها» (٧) الخامسة : أن المشعود والمحتال إنما ينفذ حيلته على من ليس من أهل صناعته ،
__________________
١ ـ الباقلانى : كتاب البيان ص ٩٤ ، الرازى : التفسير الكبير ج ٢١ ص ٨٥
٢ ـ البغدادى : أصول الدين ص ١٧٤.
٣ ـ ابن تيمية : النبوات ص ١٣٦
٤ ـ ابن الوزير : ايثار الحق على الخلق
٥ ـ ابن تيمية : السابق ص ١٣٦
٦ ـ عبد الجبار المعتزلى : السابق ٥٧٢
٧ ـ ابن تيمية : الجواب الصحيح ج ١ ص ١٤