٢ ــ طرق إثباتها
لا ريب أنّ تعيين أسباب النزول و تمييز الصّحيح منها عن ما ليس بسبب، عند الإختلاف، يحتاج إلى طرق مشخّصة، سنستعرضها فيما يلي :
و لكنّي أرى أنّ أهمّ شيء يجب تحصيله في هذا المجال هو تحديد المقصود لكلمة «أسباب النزول» لكي نعتمد خلال البحث و المناقشة معنى واحدا، فلا تختلط موارد النفي و الإثبات، و لا تتداخل الأدلّة و الردود.
نقول : إنّ الظاهر من كلمة «سبب» هو العلّة الموجبة لوجود الشيء.
و لو التزمنا بهذا المعنى فإنّ ذلك يقتضي حصر موضوع «أسباب النزول» بما كان علّة لنزول الآية، و أنّ الآية نزلت من أجله، و عليه فإنّ أسباب النزول هي القضايا و الحوادث التي وردت الآيات من أجلها و في شأنها، أو نزلت مبيّنة لحكم ورد فيها، أو نزلت جوابا عن سؤال مطروح.
لكن لا بدّ من الإعراض عن هذا الظاهر، لأنّ الالتزام بهذا المعنى غير صحيح لوجهين:
الأوّل : إنّ هذا المعنى بعيد أن يقصده علماء الإسلام و خاصّة في مجال علوم القرآن، لأنّ السبب بهذا المعنى اصطلاح فلسفيّ لم يتداوله المسلمون إلّا في القرون المتأخّرة، و على ذلك : فلا بدّ من حمل كلمة «سبب» على معناها اللّغويّ، و هو «ما يتوصّل به إلى أمر»، و هذا يعمّ ما فيه سببيّة بالمصطلح الفلسفيّ، أو يكون مرتبطا به بشكل من الأشكال، فسبب النزول هو «كلّ ما يتّصل بالآية من القضايا و الحوادث و الشؤون»، سواء كانت علّة نزلت الآية من أجلها، أو لم تكن كذلك، بل ارتبطت بالنزول و لو بنحو الظرفيّة المكانيّة أو الزمانيّة أو الاقتران، و ما شابه ذلك.