و ذلك لأنّ اتّحاد نسق الأحاديث المذكورة دالّ على أنّ جريان القرآن على الباقين هو كجريانه على الماضين، و حيث أنّ جريانه على الماضين لم يكن بالشكل المخفيّ الغامض، فكذلك على الباقين.
فالوجوه الأخرى إن كانت في الجريان ــ لدى العرف ــ كالوجه الأوّل، لم تكن (بطونا) و تفسيرات خاصّة بالراسخين في العلم، و إلّا، لم تكن (جارية) كما كانت.
ثمّ إنّ وجود تفسيرات سريّة خاصّة بالراسخين في العلم لا يلائم (حياة القرآن) بالمعنى العرفي، فإنّ حياتها في مواردها هو الاستفادة منها و تطبيقها، بينما (البطون) لا يمكن الاستفادة منها إلّا للراسخين في العلم، لفرض أنّ أفهام الآخرين قاصرة عنها.
مضافا إلى أنّا نرى بالوجدان عدم تعطّل القرآن لو التزمنا بالمعنى الذي فسّرنا به هذه الأخبار، و هو عموم أحكام القرآن و اشتراك المكلّفين كلهم فيها الباقين مع الماضين، و إن لم نلتزم بأمر (البطون) سواء فسّر على أساس التطبيقات المختلفة أم التفسيرات المتعدّدة.
و يكفي هذا دليلا على عدم ارتباط الأحاديث بأمر (البطون).
و حاصل البحث أن الاعتراضات المفروضة على الالتزام بأسباب النزول كواحد من أهمّ طرق معرفة تفسير القرآن، غير واردة مطلقا، بل هي مرفوضة، لتعارضها مع مقتضى الوجدان و صريح كلمات الأئمّة عليهمالسلام و التزام العلماء المتصدّين لتفسير القرآن، كما أثبتنا ذلك في صدر البحث.
فمعرفة أسباب النزول أمر مهمّ و ضروريّ بلا ريب.