وكان يمكن بها حرث أو بناء ؟ أفلا ترى كيف تنصب (١) من يبس الحجارة وجعلت على ما هي عليه من اللّين والرخاوة ولتهيّأ للاعتماد ؟ .
ومن تدبير الحكيم جلّ وعلا في خلقة الأرض أنّ مهبّ الشمال أرفع من مهبّ الجنوب فلمَ جعل الله عزَّ وجلَّ كذلك إلّا لينحدر المياه على وجه الأرض فتسقيها و ترويها ؟ ثمَّ تفيض آخر ذلك إلى البحر فكأنّما يرفع أحد جانبي السطح (٢) ويخفض الآخر لينحدر الماء عنه ولا يقوم عليه كذلك جعل مهبّ الشمال أرفع من مهبّ الجنوب لهذه العلّة بعينها ، ولولا ذلك لبقي الماء متحيّراً على وجه الأرض فكان يمنع الناس من إعمالها (٣) ويقطع الطرق والمسالك ؛ ثمَّ الماء لولا كثرته وتدفّقه في العيون والأودية و الأنهار لضاق عمّا يحتاج الناس إليه لشربهم وشرب أنعامهم ومواشيهم ، وسقي زروعهم وأشجارهم وأصناف غلّاتهم ، وشرب ما يرده من الوحوش والطير والسباع وتتقلّب فيه الحيتان ودوابّ الماء ؛ وفيه منافع آخر أنت بها عارف وعن عظم موقعه غافل فإنّه سوى الأمر الجليل المعروف من غنائه في إحياء جميع ما على الأرض من الحيوان والنبات يمزج بالأشربة فتلين وتطيب لشاربها ، وبه تنظف الأبدان والأمتعة من الدرن الّذي يغشاها ، وبه يبلُّ التراب فيصلح للاعتمال (٤) وبه يكفّ عادية النار إذا اضطرمت وأشرف الناس على المكروه ، وبه يسيغ الغصّان ما غصّ به ، وبه يستحمّ المتعب الكالّ فيجد الراحة من أوصابه ، إلى أشباه هذا من المآرب الّتي تعرف عظم موقعها في وقت الحاجة إليها .
فإن شككت في منفعة هذا الماء الكثير المتراكم في البحار وقلت : ما الإرب فيه ؟ فاعلم أنّه مكتنف ومضطرب ما لا يحصى : من أصناف السمك ودوابّ البحر ، ومعدن اللؤلؤ والياقوت والعنبر ، وأصناف شتّى تستخرج من البحر ، وفي سواحله منابت العود واليلنجوج ، وضروب من الطيب والعقاقير ؛ ثمَّ هو بعدُ مركب الناس ومحملٌ لهذه التجارات الّتي تجلب من البلدان البعيدة كمثل ما يجلب من الصين إلى العراق ، ومن العراق
________________________
(١) وفي نسخة : نقصت .
(٢) كذا في النسخ والظاهر : فكما يرفع أحد جانبي السطح .
(٣) وفي نسخة : فكان يمنع الناس من اعتمالها .
(٤) وفي نسخة : فيصلح للاعمال .