وانظر كيف صارت الأصناف توافي في الوقت المشاكل لها من حمارّة الصيف ، ووقدة الحرّ فتلقاها النفوس بانشراح وتشوّق إليها ، ولو كانت توافي في الشتاء لوافقت من الناس كراهة لها واقشعراراً منها مع ما يكون فيها من المضرّة للأبدان . ألا ترى أنّه ربّما أدرك شيء من الخيار في الشتاء فيمتنع الناس من أكله إلّا الشرِه الّذي لا يمتنع من أكل ما يضرّه وليستوخم مغبّته .
توضيح : قال الفيروزآباديُّ : اليقطين : ما لا ساق له من النبات ونحوه . والقصف : الكسر . وقال الجوهريّ : الجِرو والجُرو والجَرو : ولد الكلب والسباع ، والجمع أجرٍ ، وأصله أجروٌ على أفعل ، وجراءٌ ، وجمع الجراء أجريةٌ ، والجِرو والجِروة الصغير من القثّاء . انتهى . والحمارّة بتخفيف الميم وتشديد الراء وقد يخفّف في الشعر : شدّة الحرّ . وفي الأساس : ما لي أراك تشرح إلى كلّ رتبة ؛ وهو إظهار الرغبة إليها ، وفيه : هو شرِه العين يطمع في كلّ ما يراه يرمي نفسه عليه ويتمنّاه . انتهى . واستوخمه : لم يجده مريئاً موافقاً . والمغبّة : العاقبة .
فكّر يا مفضّل في النخل فإنّه لمّا صار فيه اُناث يحتاج إلى التلقيح (١) جعلت فيه ذكورة للّقاح من غير غراس فصار الذكر من النخل بمنزلة الذكر من الحيوان الّذي يلقح الاُناث لتحمل وهو لا يحمل .
تأمّل خلقة الجذع (٢) كيف هو فإنّك تراه كالمنسوج نسجاً من غير خيوط ممدودة كالسدى واُخرى معه معترضة كاللّحمة (٣) كنحو ما ينسج بالأيدي ، وذلك ليشتدّ و يصلب ولا ينقصف من حمل القنوان (٤) الثقلية ، وهزّ الرياح العواصب إذا صار نخلة ، و ليتهيّأ للسقوف والجسور وغير ذلك ممّا يتّخذ منه إذا صار جذعاً ؛ وكذلك ترى الخشب مثل النسج فإنّك ترى بعضه مداخلاً بعضاً طولاً وعرضاً كتداخل أجزاء اللّحم ، وفيه
________________________
(١) التلقيح في النخل : وضع طلع الذكور في الاناث .
(٢) الجذع : ساق النخلة .
(٣) السدى من الثوب : ما مد من خيوطه وهو خلاف اللحمة . واللحمة ما نسج عرضاً وهو خلاف سداه .
(٤) القنوان جمع القنا والقنى والقنو ـ بكسر القاف وضمها ـ : العذق وهو من النخل كالعنقود من العنب .