قال : ما أجد واحداً من القولين ينقاد لي ولقد قطعته عليَّ قبل الغاية الّتي كنت اُريدها . قلت : دعني فإنَّ من الدخول في أبواب الجهالات ما لا ينقاد من الكلام ، و إنّما أسألك عن معلّم هذا الحساب الّذي علّم أهل الأرض علم هذه النجوم المعلّقة في السماء . »
اقول : رجعنا إلى ما في النسخ المشهورة :
قال : ما أجد يستقيم أن أقول : إنّ أحداً من أهل الأرض وضع علم هذه النجوم المعلّقة في السماء . قلت : فلا بدّ لك أن تقول : إنّما علّمه حكيم عليم بأمر السماء والأرض ومدبّرهما . قال : إن قلت هذا فقد أقررت لك بإلهك الّذي تزعم إنّه في السماء . قلت : أمّا أنك فقد أعطيتني أنَّ حساب هذه النجوم حقّ ، وأنّ جميع الناس ولدوا بها . قال : الشكّ في غير هذا .
قلت : وكذلك أعطيتني أنَّ أحداً من أهل الأرض لم يقدر على أن يغيب مع هذه النجوم والشمس والقمر في المغرب حتّى يعرف مجاريها ويطلع معها إلى المشرق . قال : الطلوع إلى السماء دون هذا . قلت : فلا أراك تجد بدّاً من أن تزعم أنَّ المعلّم لهذا من السماء . قال : لئن قلت أن ليس لهذا الحساب معلّم لقد قلت إذاً غير الحقّ ، ولئن زعمت أنّ أحداً من أهل الأرض علم ما في السماء وما تحت الأرض لقد أبطلت لأنَّ أهل الأرض لا يقدرون على علم ما وصفت لك من حال هذه النجوم والبروج بالمعاينة والدنوّ منها (١) فلا يقدرون عليه لأنّ علم أهل الدنيا لا يكون عندنا إلّا بالحواسّ ، وما يدرك علم هذه النجوم الّتي وصفت بالحواسّ لأنّها معلّقة في السماء وما زادت الحواسّ على النظر إليها حيث تطلع وحيث تغيب ، فأمّا حسابها ودقائقها ونحوسها وسعودها وبطيئها وسريعها وخنوسها ورجوعها فأنّى تدرك بالحواسّ أو يهتدى إليها بالقياس ؟ .
قلت : فأخبرني لو كنت متعلّماً مستوصفاً لهذا الحساب من أهل الأرض أحبّ إليك أن تستوصِفه وتتعلّمه ، أم من أهل السماء ؟ قال : من أهل السماء ، إذ كانت النجوم معلّقة فيها حيث لا يعلمها أهل الأرض .
________________________
(١) وفي نسخة : فاما الدنو .