دار الدنيا ؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدت على أن لا إلـه إلّا أنت ؟ أم كيف تحرق وجوهنا وقد عفّرناها لك في التراب ؟ (١) أم كيف تحرق أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك ؟ فيقول الله جلَّ جلاله : عبادي ساءت أعمالكم في دار الدنيا فجزاؤكم نار جهنّم . فيقولون : يا ربّنا عفوك أعظم أم خطيئتنا ؟ فيقول تبارك وتعالى : بل عفوي ، فيقولون : رحمتك أوسع أم ذنوبنا ؟ فيقول عزَّ وجلَّ : بل رحمتي ، فيقولون : إقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا ؟ فيقول تعالى : بل إقراركم بتوحيدي أعظم ، فيقولون : يا ربّنا فليسعنا عفوك ورحمتك الّتي وسعت كلَّ شيء ، فيقول الله جلَّ جلاله : ملائكتي ! وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحبُّ إليَّ من المقرِّين بتوحيدي ، وأن لا إله غيري : وحقٌّ عليَّ أن لا أصلي أهل توحيدي ، ادخلوا عبادي الجنّة .
بيان : قوله : وحقٌّ عليَّ الظاهر أنّه اسمٌ أي واجب ولازم عليَّ ، ويمكن أن يقرأ على صيغة الماضي المعلوم والمجهول ؛ قال الجوهريُّ : قال الكسائيُّ : يقال : حقٌّ لك أن تفعل هذا وحققت أن تفعل هذا بمعنىً ، وحقٌّ له أن يفعل كذا وهو حقيق به و محقوق به أي خليقٌ له ، وحقَّ الشيء يحقُّ بالكسر أي وجب . وقال : يقال : صليت الرجل ناراً : إذا أدخلته النار وجعلته يصلاها ، فإن ألقيته فيها إلقاءاً كأنّك تريد الإحراق قلت : أصليته « بالألف » وصلّيته تصليةً . وقال : صلى فلان النار يصلى صليّاً احترق
٢ ـ يد ، لى : الحسن بن عبد الله بن سعيد ، عن محمّد بن أحمد بن حمدان القشيريّ عن أحمد بن عيسى الكلابيّ ، عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، (٢) عن أبيه
________________________
(١) عفّر وجهه بالتراب أي مرّغه ودسّه فيه .
(٢) هو صاحب كتاب الجعفريات ، المترجم في ص ١٩ من رجال النجاشي بأنه سكن مصر وولده بها ، وله كتب يرويها عن أبيه ، عن آبائه ، منها : كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصوم ، كتاب الحج ، كتاب الجنائز ، كتاب الطلاق ، كتاب النكاح ، كتاب الحدود ، كتاب الدعاء ، كتاب السنن والاداب ، كتاب الرؤيا . أخبرنا الحسين بن عبيد الله قال : حدثنا أبو محمد سهل بن أحمد بن سهل ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن محمد الاشعث بن محمد الكوفي بمصر قراءة عليه ، قال حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر قال : حدثنا أبي بكتبه انتهى . أقول : ويسمى الجعفريات الاشعثيات أيضا لرواية محمد بن محمد الاشعث ذلك ، وللعلامة النوري حول الكتاب و صاحبه كلام في ج ٣ من المستدرك ص ٢٩٠ .