للظلمة يحتمل أن يكون كناية عن عدم استقلاله في التدبير ومعارضة أهرمن له في كثير ممّا يريده . وقد استدلّ عليهالسلام على بطلان مذهبهم بوجوه :
الأوّل : أن لا يكون الناس قادرين على ترك الشرور والمساوي والمعاصي لأنّها من فعل الجسد الّذي هو الظلمة ، ولا يتأتّى منه الخير ، ولا يستحقّ أحد الملازمة على الشرّ ، لكونه مجبوراً عليه ، وقد نراهم يلومون الناس على الشرور والمساوي ، فهذا دليل على بطلان مذهبهم .
الثاني : أنّهم يستحسنون التضرّع إلى الربّ تعالى وعبادته والاستعانة به ، و أمثال تلك الأعمال فعل الروح الّذي هو الربّ بزعمهم فكيف يعبد نفسه ويستعين بنفسه ويتضرّع إليها ؟ وإن قالوا : إنّه يتضرّع إلى الظلمة فكيف يليق الربّ أن يستعيذ بغيره ؟ .
الثالث : أنّه يلزم أن لا يجوز أن يقول أحد لأحد : أحسنت ولا أسأت ، وهذا باطل اتّفاقاً وبديهةً ؛ وأمّا بيان الملازمة فلأنّ الحاكم بذلك إمَّا النور أو الظلمة ، إذ المفروض أنّه لا شيء غيرهما . وكلاهما باطلان : أمّا الأوّل فلأنّ الظاهر من هذا الكلام المغايرة بين المادح والممدوح والمفروض اتّحادهما ، ويحتمل أن يكون هذا منبّهاً على ما يحكم به العقل بديهة من المغايرة بين الأشخاص ، مع أنّهم يقولون : بأنّ أرواح جميع الخلق شخص واحد هو النور وهو الربُّ تعالى ، وهذا قريب من الوحدة الّتي قالت به الصوفيّة . وأمّا الثاني فلأنّ الظلمة فعلها الإساءة وتعدّها حسنة ، فكيف تحكم بقبحها ؟ .
ويمكن تقرير الملازمة بوجه آخر بأن يقال : ظاهر أنَّ التحسين والتشنيع من فعل النور ، ولا يتصوّر منه شيء منهما لأنّ المخاطب في « أسأت » هو الظلمة وهو مجبور على فعل القبيح بزعمهم فلا يستحقّ اللّوم ، وهو المراد بقوله : وذلك فعلها ، والمخاطب في « أحسنت » هو النور لأنّ الحسن فعله فيتّحد المادح والممدوح .
الرابع : أنّهم
يحكمون بأنّ النور هو الربّ تعالى ، ويجب على هذا أن يكون أقوى وأحكم وأتقن من الظلمة الّتي هي مخلوقة ، ويلزمهم بمقتضى أقوالهم الفاسدة