جسماً ولا روحاً ، وليس لأحد في خلق الروح الحسّاس الدرّاك أثرٌ ولا سببٌ ، هو المتفرِّد بخلق الأرواح والأجسام ، فمن نفى عنه الشبهين : شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله ، ومن شبّهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله .
أقول : قال الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد : القول الصواب في هذا الباب هو أن يقال : عرفنا الله بالله ، (١) لأنَّا إن عرفناه بعقولنا فهو عزَّ وجلَّ واهبها ، وإن عرفناه عزَّ وجلَّ بأنبيائه ورسله وحججه عليهمالسلام فهو عزَّ وجلَّ باعثهم ومرسلهم ومتَّخذهم حججاً ، وإن عرفناه بأنفسنا فهو عزَّ وجلَّ محدثنا فبه عرفناه ؛ وقد قال الصادق عليهالسلام : لولا الله ما عرفناه ، ولولا نحن ما عرف الله . ومعناه : لولا الحجج ما عرف الله حقَّ معرفته ، و لولا الله ما عرف الحجج . وقد سمعت بعض أهل الكلام يقول : لو أنَّ رجلاً ولد في فلاة من الأرض ولم ير أحداً يهديه ويرشده حتّى كبر وعقل ونظر إلى السماء والأرض لدلّه ذلك على أنَّ لهما صانعاً ومحدثاً . فقلت : إنَّ هذا شيء لم يكن ، وهو إخبار بما لم يكن ان لو كان كيف كان يكون ، ولو كان ذلك لكان لا يكون ذلك الرجل إلّا حجّة الله ـ تعالى ذكره ـ على نفسه كما في الأنبياء عليهمالسلام ، منهم من بُعث إلى نفسه ، ومنهم من بُعث إلى أهله وولده ، ومنهم من بعث إلى أهل محلّته ، ومنهم من بعث إلى أهل بلده ، ومنهم من بعث إلى الناس كافَّةً .
وأمّا استدلال إبراهيم الخليل عليهالسلام بنظره إلى الزهرة ، ثمَّ إلى القمر ، ثمَّ إلى الشمس ، وقوله ـ فلمّا أفلت ـ : يا قوم إنّي بريء ممّا تشركون فإنَّه عليهالسلام كان نبيّاً ملهماً مبعوثاً مرسلاً ، وكان جميع قوله إلى آخره بإلهام الله عزَّ وجلَّ إيّاه ، وذلك قوله عزَّ وجلَّ : « وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ » وليس كلّ أحد كإبراهيم عليهالسلام ؛ ولو استغني في معرفة التوحيد بالنظر عن تعليم الله عزَّ وجلَّ وتعريفه لما أنزل الله عزَّ وجلَّ ما أنزل من قوله : فاعلم أنَّه لا إله إلّا الله ، ومن قوله : قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ إلى آخره ؛ ومن قوله : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ، إلى قوله : وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وآخر الحشر وغيرها من آيات التوحيد .
________________________
(١) سيجيىء حق معنى معرفة الله بالله في رواية عبد الاعلى على نحو الاشارة ، وأما ما ذكره رحمه الله زعماً منه أن المعرفة مستندة إلى الله وليست بمكتسبة فبمعزل عن مراد الرواية . ط