قال المفضّل : فقلت فلمَ لم يجعل ذلك خلقةً لا تزيد فيحتاج الإنسان إلى النقصان منه ؟ فقال عليهالسلام : إنَّ لله تبارك اسمه في ذلك على العبد نعماً لا يعرفها فيحمد عليها ، اعلم أنَّ آلام البدن وأدواءه تخرج بخروج الشعر في مسامّه ، (١) وبخروج الأظفار من أناملها ، ولذلك اُمر الإنسان بالنورة وحلق الرأس وقصِّ الأظفار في كلِّ اُسبوع ليسرع الشعر والأظفار في النبات ، فتخرج الآلام والأدواء بخروجها ، وإذا طالا تحيّرا وقلَّ خروجهما فاحتبست الآلام والأدواء في البدن فأحدثت عللاً وأوجاعاً ، ومنع مع ذلك الشعر من المواضع الّتي يضرُّ بالإنسان ويحدث عليه الفساد والضرر ، لو نبت الشعر في العين ألم يكن سيعمى البصر ؟ ولو نبت في الفم ألم يكن سيغصُّ على الإنسان طعامه و شرابه ؟ ولو نبت في باطن الكفّ ألم يكن سيعوقه عن صحّة اللّمس وبعض الأعمال ؟ فلو نبت في فرج المرأة أو على ذكر الرجل ألم يكن سيفسد عليهما لذّة الجماع ؟ فانظر كيف تنكب الشعر هذه المواضع لما في ذلك من المصلحة ، ثمَّ ليس هذا في الإنسان فقط بل تجده في البهائم والسباع وسائر المتناسلات فإنَّك ترى أجسامهنَّ مجلّلةً بالشعر وترى هذه المواضع خاليةً منه لهذا السبب بعينه ؛ فتأمّل الخلقة كيف تتحرّز وجوه الخطأ والمضرّة ، وتأتي بالصواب والمنفعة ، إنَّ المنانيّة (٢) وأشباههم حين اجتهدوا في عيب الخلقة والعمد عابوا الشعر النابت على الركب والإبطين (٣) ولم يعلموا أنَّ ذلك من رطوبة تنصبُّ إلى هذه المواضع فينبت فيها الشعر ، كما ينبت العشب في مستنقع المياه ؛ أفلا ترى إلى هذه المواضع أستر وأهيأ لقبول تلك الفضلة من غيرها ؟ ثمَّ إنَّ هذه تعدّ (٤) ممّا يحمل الإنسان من مؤونة هذا البدن وتكاليفه لما له في ذلك من المصلحة فإنَّ اهتمامه بتنظيف بدنه وأخذ ما يعلوه من الشعر ممّا يكسر به شرته ، ويكفّ عاديته ، ويشغله عن بعض ما يخرجه إليه الفراغ من الأشر والبطالة . تأمّل الريق وما فيه من المنفعة فإنّه جعل يجري جرياناً دائماً إلى الفم ليبلَّ الحلق واللّهوات فلا يجفَّ ،
________________________
(١) المسامة : ثقبة ومنافذ كمنابت الشعر .
(٢) وفي نسخة : المانوية .
(٣) الابطين : باطن الكتفين .
(٤) وفي نسخة بعد .