في قوله : «ما كانوا يستطيعون السمع» ليست للنفي بل تجري مجرى قولهم : لاواصلنك ما لاح نجم ، ويكون المعنى : أن العذاب يضاعف لهم في الآخرة ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ، أي أنهم معذبون ما كانوا أحياءا.
وقال رحمه الله في تأويل قوله تعالى : «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا» (١) قيل : المراد بنسينا تركنا ، قال قطرب : معنى النسيان ههنا الترك ، كما قال تعالى : «ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى» (٢) أي ترك ، ولولا ذلك لم يكن فعله معصية ، وكقوله تعالى : «نسوا الله فنسيهم» (٣) أى تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته ، وقد يقول الرجل لصاحبه : لا تنسني من عطيتك أي لا تتركني منها ، وقد يمكن في الآية وجه آخر و هو أن يحمل النسيان على السهو وفقد العلوم ، ويكون وجه الدعاء بذلك ما قد بيناه فيما تقدم من السؤال على سبيل الانقطاع إلى الله والاستغاثة به وإن كان مأمونا منه المؤاخذه بمثله ، ويجري مجرى قوله : «ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به» وهذا الوجه أيضا يمكن في قوله : «أو أخطأنا» إذا كان الخطاء ما وقع سهوا أو عن غير عمد ، فأما على ما يطابق الوجه الاول فقد يجوز أن يريد بالخطاء ما يفعل من المعاصي بالتأويل السيئ ، وعن جهل بأنها معاص ، لان من قصد شيئا على اعتقاده أنه بصفة فوقع ما هو بخلاف معتقده يقال : قد أخطأ فكأنه أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه متعمدين من غير سهو ولا تأويل ، ومما أقدموا عليه مخطئين متأولين ، ويمكن أيضا أن يريد بأخطأنا ههنا أذنبنا وفعلنا قبيحا ، وإن كانوا له متعمدين وبه عالمين ، لان جميع معاصينا لله تعالى قد يوصف كلها بأنها خطأ من حيث فارقت الصواب ، وإن كان فاعلها متعمدا ، وكأنه أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه من الواجبات ، ومما فعلوه من المقبحات ليشتمل الكلام على جهتي الذنوب ، والله أعلم بمراده.
________________
(١) البقرة : ٢٨٦.
(٢) طه : ١١٥.
(٣) التوبه : ٦٧.