وسائر مكملات
الاعمال ففي الآخرة أيضا لا ينتفع إلا بالجنة الجسمانية ، ومن فهم في
الدنيا روح العبادة وأنس بها واستلذ منها وأعطاها حقها فهو في الجنة الجسمانية
لا يستلذ إلا بالنعم الروحانية ، ولنضرب لك في ذلك مثلا لمزيد الايضاح ، فنقول : ربما يجلس بعض سلاطين الزمان على سريره ويطلب عامة رعاياه ووزرائه وامرائه
ومقربي حضرته ويعطيهم شيئا من الحلاوات ، فكل صنف من أصناف الخلق ينتفع
بما يأخذه من ذلك نوعا من الانتفاع ويلتذ نوعا من الالتذاذ على حسب معرفته
لعظمة السلطان ورتبة إنعامه : فمنهم جاهل لا ينتفع بذلك إلا أنه حلو ترغب الذائقة
فيه ، فلا فرق في ذلك عنده بين أن يأخذه من بائعه في السوق أو من يد السلطان ، ومنهم من يعرف شيئا من عظمة السلطان ويريد بذلك الفخر على بعض أمثاله أو من
هو تحت يده أن السلطان أكرمني بذلك ، وهكذا حتى ينتهي الامر إلى من هو من مقر بي
حضرة السلطان ومن طالبي لطفه وإكرامه ، فهو لا يلتذ بذلك إلا لانه خرج من
يدالسلطان ، وأنه علامة لطفه وإكرامه فهو يضن بذلك ويخفيه ويفتخر بذلك و
يبديه ، مع أن في بيته أضعاف ذلك مبذولة لخدمه وعبيده فهو لا يجد من الحلاوة
إلا طعم القرب والا كرام ، ولوجعل السلطان علامة إكرامه في بذل أمر الاشياء
وأبشعها
لكان عنده أحلى من جميع الحلاوات ، ولذاترى في عشق المجاز إذا ضرب المعشوق محبه
ضربا وجيعا على جهة الاكرام فهوأشهى عنده من كل ما يستلذ منه سائر الانام ، فإذا
كان مثل ذلك في المجاز ففي الحقيقة أولى وأحرى ، فإذا فهمت ذلك عرفت أن أولياء
الله تعالى في الدنيا أيضا في الجنة والنعيم ، إذهم في عبادة ربهم متلذ ذون بقربه
ووصاله
وفي التنعم بنعيم الدنيا إنما يتلذ ذون لكونه مما خلق لهم ربهم ومحبوبهم وحباهم
بذلك ورزقهم وأعطاهم ، وفي البلايا والمصائب أيضا يلتذون بمثل ذلك ، لانهم
يعلمون أن محبهم ومحبوبهم اختار ذلك لهم وعلم فيه صلاحهم ، فبذلك امتحنهم فهم
بذلك راضون شاكرون ، فتنعمهم بالبلايا كتمتعهم بالنعم والهدايا ، إذ جهة الاستلذاذ
فيهما واحدة عندهم ، فهم في الدنيا والآخرة بقربه ولطفه وحبه يتنعمون ، وفيهما لا
خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فإذا فازوا بهذه الدرجة القصوى وو صلوا إلى تلك المرتبة