عدم تلذذهم بنعيمها في الآخرة (١) فإن قيل : إذا ارتفعت هممهم في الدنيا مع تشبثهم بعلائقها عن أن ينظروا مع محبة الله سبحانه وقربه إلى جنة ونار ففي الآخرة مع قطع علائقهم ودواعيهم وقوة أسباب المحبة والقرب أحرى أن لا ينظروا إليهما ولا يتلذذوا بشهوات الجنة وملاذها. قلت : للتلذذ بالمستلذات الجسمانية أيضا مراتب ودرجات بحسب اختلاف أحوال أهل الجنة : فمنهم من يتلذذ بها كالبهائم يرتعون في رياضها ويتمتعون بنعيمها كما كانوا في الدنيا من غير استلذاذ بقرب ووصال أو إدراك لمحبة وكمال ، ومنهم من يتمتع بنعيمها من حيث إنها دار كرامة الله التي اختارها لأوليائه وأكرمهم بها وإنها محل رضوان الله تعالى وقربه ، فمن كل ريحان يستنشقون نسيم لطفه ، ومن كل فاكهة يذوقون طعم رحمته ولا يستلذون بالحور إلا لأنه أكرمهم بها الرب الغفور ، ولا يسكنون في القصور إلا لأنه رضيها لهم المالك الشكور ، فالجنة جنتان : روحانية وجسمانية ، والجنة الجسمانية قالب للجنة الروحانية ، فمن كان في الدنيا يقنع من العبادات والطاعات بجسد بلا روح ولا يعطيها حقها من المحبة والاخلاص
____________________
(١) لو كان مراد شيخنا الصدوق قدس الله روحه الشريف حصر التذاذهم في ذلك وانهم لا يلتذون بالمآكل وغيرها كالملائكة فقد وردت روايات كثيرة في خلاف ذلك تقدمت بعضها ، وفيها ان نبينا صلى الله عليه وآله وأوصيائه وسائر الأنبياء والأوصياء يلتذون بها كقوله فيما تقدم : حرام على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي. وقوله : دخلت الجنة وإذا على حافتيها بيوتي وقوله : تلك الغرف بنى الله لأوليائه وقوله : شجرة طوبى في دار رسول الله صلى الله عليه وآله وفى رواية : في دار علي عليه السلام وقوله في وصف تسنيم : هي عين يشربون منها المقربون بحتا والمقربون آل محمد صلى الله عليه وآله ، وفى رواية محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله. وقوله الكوثر نهر في الجنة أعطاه الله محمدا صلى الله عليه وآله. وقوله في حديث ذكر أن بيته وبيت على واحد : إذا أراد أحدنا أن يأتي بأهله ضرب الله بيني وبينه حجابا من نور. وقوله تعالى مخاطبا للجنة : إني قد حرمت طعامك على أهل الدنيا الا على نبي أو وصى نبي وقوله : فيها الف قصر في كل قصر الف قصر لمحمد وآل محمد صلىاللهعليهوآله ، وفيها الف قصر في كل قصر الف قصر لإبراهيم وآل إبراهيم. وقوله صلى الله عليه وآله لعلى : لا تلبس لباس الذهب فإنه لباسك في الجنة. وغير ذلك مما تقدم ويأتي.