من بعض بالمسافة ، ويجوز أن يكون ذلك إخبارا عن بلوغ الغاية في العقاب ، كما يقال : إن السلطان بلغ فلانا الحضيض ، وبلغ فلانا العرش. يريدون بذلك انحطاط المنزلة وعلوها لا المسافة.
وفي قوله تعالى : « يريدون أن يخرجوا من النار » أي يتمنون ، وقيل : معناه الارادة الحقيقية ، أي كلما دفعتهم النار بلهبها ، رجوا أن يخرجوا منها ، وقيل : معناه يكادون يخرجون منها إذا دفعتهم النار بلهبها ، كما قال سبحانه : « جدارا يريدأن ينقض فأقامه » (١) وفي قوله تعالى : « لهم شراب من حميم » « أي ما مغلي حار ».
وفي قوله تعالى : « والذين كفروا إلى جهنم يحشرون » أي يجمعون إلى النار « ليميزالله الخبيث من الطيب » معناه : ليمزالله نفقة الكافرين من نفقة المؤمنين «ويجعل الخبيث بعضه على بعض » أي ويجعل نفقة المشركين بعضها فوق بعض « فيركمه » أي فيجمعه « جميعا » في الآخرة « فيجعله في جهنم » فيعاقبهم به ، كما قال : « يوم يحمى عليها في نارجهنم » الآية ، وقيل : معناه ليميزالله الكافر من المؤمن في الدنيا بالغلبة والنصر والاسماء الحسنة والاحكام المخصوصة ، وفي الآخرة بالثواب والجنة ، عن أبي مسلم ، وقيل : بأن يجعل الكافر في جهنم والمؤمن في الجنة « ويجعل الخبيث بعضه على بعض » في جهنم يضيقها عليهم « فيركمه جميعا » أي يجمع الخبيث حتى يصير كالسحاب المركوم ، بأن يكون بعضهم فوق بعض في النار مجتمعين فيها « فيجعله في جهنم » أي فيدخله جهنم « اولئك هم الخاسرون قد خسروا أنفسهم ، لانهم اشتروا بإنفاق الاموال في المعصية عذاب الله في الآخرة.
وفي قوله سبحانه : « ولذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله » أي يجمعون المال ولا يؤد ون زكاته.
فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : كل مال لم تؤد زكاته فهو كنزو إن كان ظاهرا ، وكل مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الارض.
____________________
(١) الكهف : ٧٧.