وإن كان فيهم من يعترف بتوحيد الله تعالى ويتظاهر بمايوهم المستضعفين أنه معرفة بالله تعالى ، وقد قال الله تعالى : « ومن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا » (١) فأخرج بذلك المؤمن عن أحكام الكافرين ، وقال تعالى : « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجربينهم » (٢) الآية ، فنفى عمن كفر بنبي الله الايمان ، ولم يثبت له مع الشك فيه المعرفة بالله على حال ، وقال تعالى : « وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر » إلى قوله : « وهم صاغرون » (٣) فنفى الايمان عن اليهود والنصارى وحكم عليهم بالكفر والضلال.
أقول : سيأتي بعض مايتعلق بالجنة والنار في احتجاج الرضا عليهالسلام على سليمان المروزي ، وقد مضى بعضها في باب صفة المحشر ، وباب جنة الدنيا ونارها تتميم : أقول : بعد اتضاح الحق لديك فيما ورد في الآيات المتظافرة والاخبار المتواترة من أحوال الجنة والنار وخصوصياتهما فلنشر إلى بعض ماقاله في ذلك الفرقة المخالفة للدين من الحكماء والمتفلسفين لتعرف معاندتهم للحق المبين ، ومعارضتهم لشرائع المرسلين.
قال شارح المقاصد في تقرير مذهب الحكماء في الجنة والنار والثواب والعقاب : أما القائلون بعالم فيقولون بالجنة والنار وسائر ماورد به الشرع من التفاصيل ، ولكن في عالم المثل ، لا من جنس المحسوسات المحضة على ماتقول به الاسلاميون وأما الاكثرون فيجعلون ذلك من قبيل اللذات والآلام العقلية ، وذلك أن النفوس البشرية سواء جعلت أزلية كما هورأي أفلاطون ، أولا كما هو رأي أرسطو فهي أبدية عندهم لا تفنى بخراب البدن ، بل تبقى ملتذة بكمالاتها ، مبتهجة بإدراكانها ، وذلك سعادتها وثوابها وجنانها على اختلاف المراتب وبتفاوت الاحوال ، أو متألمة بفقد الكمالات وفساد الاعتقادات ، وذلك شقاوتها وعقابها ونيرانها على مالها من اختلاف التفاصيل ، وإنما لم يتنبه لذلك في هذا العالم لا ستغراقها في تدبير
____________________
(١) الجن : ١٣.
(٢) النساء : ٦٥.
(٣) التوبة : ٢٩.