الرابع أن المعصية متناهية زمانا وهو ظاهر ، وقدرا لمايوجد من معصية أشد منها ، فجزاؤها يجب أن يكون متناهيا تحقيقا لقاعدة العدل ، بخلاف الكفر فإنه لايتناهي قدرا وإن تناهى زمانه.
واحتجت المعتزلة بوجوه : الاول الآيات الدالة على الخلود المتناولة للكافر وغيره ، وكقوله تعالى : « ومن يعص الله ورسوله فإن له نارجهنم خالدين فيها أبدا » (١) وقوله تعالى : « ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها » (٢) وقوله : « وأما الذين فسقوا فمأويهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها اعيدوا فيها » (٣) ومثل هذا مسوق للتأبيد ونفي الخروج ، وقوله : « وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وماهم عنها بغائبين » (٤) وعدم الغيبة عن النار خولد فيها ، وقوله : « ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها » (٥) وليس المراد تعدي جميع الحدود بارتكاب الكبائر كلها تركا وإتيانا ، فإنه محال لمابين البعض من التضاد ، كاليهودية والنصرانية والمجوسية ، فيحمل على مورد الآية من حدود المواريث ، وقوله : « بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئة فاولئك أصحاب النارهم فيها خالدون ». (٦)
والجواب بعد تسليم كون الصيغ للعموم أن العموم غير مراد في الآية الاولى للقطع بخروج التائب وأصحاب الصغائر وصاحب الكبيرة الغير المنصوصة إذا أتى بعدها بطاعات تربى ثوابها على عقوباته ، فليكن مرتكب الكبيرة من المؤمنين أيضا خارجا مما سبق من الآيات والادلة ، وبالجملة فالعام المخرج منه البعض لا يفيد القطع وفاقا ، ولو سلم فلا نسلم تأبيد الاستحقاق ، بل هو مغيى بغاية رؤية الوعيد ، لقوله بعده : « حتى إذا رأوا مايوعدون » (٧) ولو سلم فغايته الدلالة على استحقاق العذاب المؤبد
____________________
(١) الجن : ٢٣.
(٢) النساء : ٩٣.
(٣) السجدة : ٢٠.
(٤) الانفطار : ١٤ ـ ١٦.
(٥) النساء : ١٤.
(٦) البقرة : ٨١.
(٧) مريم : ٧٥.