وفي قوله جل وعلا : « ولا يظلمون شيئا » أي ولا يبخسون شيئا من ثوابهم ، بل يوفيه الله عليهم على التمام والكمال « جنات عدن » أي إقامة ، ووحد في الآية المتقدمة وجمع ههنا لانه جنة تشتمل على جنات ، وقيل : لان لكل واحد من المؤمنين جنة تجمعها العظمى « التي وعدالرحمن عباده بالغيب » المراد بالعباد المؤمنون ، وقيل : يتناول الكافر بشرط رجوعه عن كفره ، وقال : « بالغيب » لانهم غابوا عما فيها مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ، عن ابن عباس. والمعنى أنه وعدهم أمرا لم يكونوا يشاهدونه فصد قوه وهو غائب عنهم « إنه كان وعده » أي موعوده « مأتيا » أي آتيا لا محالة ، والمفعول ههنا بمعنى الفاعل ، لان ما أتيته فقد أتاك ، وقيل : الموعود هوالجنة والجنة مأتية يأتيها المؤمنون « لا يسمعون فهيا لغوا » أي قولا لا معنى له يستفاد ، وقد يكون اللغو الهذر وما يلقى من الكلام مثل الفحش والاباطيل « إلا سلاما » أي سلام الملائكة عليهم وسلام بعضهم على بعض ، وقال الزجاج : السلام اسم جامع لكل خير ، لانه يتضمن السلامة ، أي يسمعون ما يسلمهم « ولهم زرقهم فيها بكرة وعيشا » قال المفسرون : ليس في الجنة شمس ولا قمر فيكون لهم بكرة وعشي ، والمراد أنهم يؤتون رزقهم على ما يعرفونه من مقدار الغداء والعشاء ، وقيل : كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء أعجب به ، وكانت تكره الاكلة الواحدة في اليوم ، فأخبرالله تعالى أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشيا على قدر ذلك الوقت ، وليس ثم ليل وإنما هو ضوء ونور ، عن قتادة ، وقيل : إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وفتح الابواب « تلك الجنة التي نورث من عبانا من كان تقيا » أي إنما ملك تلك الجنة من كان تقيا في دار الدنيا بترك المعاصي وفعل الطاعات ، وإنما قال : نورث لانه شبه بالميراث من جهة أنه تمليك بحال استو نفت عن حال قدا نقضت من أمر الدنيا كما ينقضي حال الميت من أمر الدنيا ، وقيل : إنه تعالى أورثهم من الجنة المساكن والمنازل التي كانت لاهل النار لو أطاعوا الله تعالى ، وأضاف العباد إلى نفسه لانه أراد المؤمنين.