وإذا وقف الناس على أعمالهم من الصحف التي يؤتونها حوسبوا بها ، ولعل ذلك ـ والله أعلم ـ لأن الناس إذا بعثوا لا يكونون ذاكرين لأعمالهم فإن الله عزّ وجل قال : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ ).
فإذا ذكروها ووقفوا عليها حوسبوا عليها. وقد جاء في كيفية المحاسبة أخبار ذكرناها في كتاب البعث والنشور.
وقد أخبر الله عزّ وجل ثناؤه أن المحاسبة تكون بشهادة النبيين والشهداء قال تعالى : ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) ، قال : ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ).
والشهيد في هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهيد كل أمة نبيّها عليهمالسلام ، وأما الشهداء في الآية قبلها فالأظهر أنهم كتبة الأعمال ، تحضر الأمة ورسولها فيقال للقوم : ما ذا أجبتم المرسلين؟ ويقال للرسل : ما ذا أجبتم؟ فيقول الرسل لله : ( لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) وكأنهم نسوا ما أجيبوا به ، وتأخذ الهيبة بمجامع قلوبهم فيذهلون في تلك الساعة عن الجواب ، ثم يثبّتهم الله ويحدث لهم ذكرى فيشهدون بما أجابتهم أمتهم.
وقال : ودلّت الأخبار عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم على أن كثيرا من المؤمنين يدخلون الجنة بغير حساب ، وكثيرا منهم يحاسبون حسابا يسيرا ، وكثيرا منهم يحاسبون حسابا شديدا.
[١٤٤] ـ أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، حدّثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ، حدّثنا عبد الله بن محمد بن شاكر ، حدّثنا أبو أسامة ، حدّثنا الأعمش ، عن خيثمة بن عبد الرحمن ، عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى شيئا إلا شيئا قدّمه ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدّمه ، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار ، فاتقوا النار ولو بشقّ تمرة ».
__________________
[١٤٤] شعب الإيمان ( ٢ / ٢٤ ).