فانه على هذا لا يكون المخصص منافيا للأداة أصلا ، وانما شأنه بيان المراد بالمدخول ، فقول المولى : « لا تكرم النحويين » بعد قوله : « أكرم كل عالم » لا نظر له الا إلى تقييد العالم وبيان المراد منه ، فلفظ : « كل » قبل التخصيص وبعده مستعملة في معنى واحد وهو إفادة الاستغراق أو المجموعية ـ في قبال البدلية ـ ، ولم يتغير المراد الاستعمالي فيها ولا المراد الواقعي.
وبالجملة : المخصص اما يضيق دائرة المدخول ولا يرتبط بمدلول الأداة أصلا ، فيكون التخصيص من باب تقييد المطلق.
ولم يقل أحد ان تقييد المطلق يستلزم المجازية ، كي يرد الإشكال المتقدم وستأتي إن شاء الله تعالى في باب المطلق والمقيد توضيح ذلك.
وإذا انحل الإشكال المتقدم بهذا البيان ولم ينحل بالبيان السابق كان ذلك قرينة وشاهدا على تعيين أحد الطرفين في معنى : « كل » الّذي وقفنا منه موقف المتردد سابقا ، وعليه فيمكن ان يقال : ان « كل » لا تدل الا على استغراق افراد ما يراد من المدخول ، اما عموم المدخول وشموله فهو يثبت بمقدمات الحكمة.
ولو لا هذا الالتزام أشكل اندفاع الإشكال بالبيان السابق ، لابتنائه على حجية الدلالة التضمنية مع عدم حجية الدلالة المطابقية ، وهو مما لا يلتزم به ، وإلاّ فلو أردنا الالتزام به فيما نحن فيه كان علينا الالتزام به في العموم المجموعي بعد التخصيص ، ومعه فلا بد من الالتزام به في موارد الأوامر المتعلقة بالمركبات الارتباطية إذا ارتفع الأمر الضمني بأحد اجزائها كالصلاة ، مع انه لا يلتزم به أحد ، ولذا لم يتمسك أحد في إثبات تعلق الأمر بالصلاة بباقي اجزائها عند تعذر البعض بالدلالة التضمنية ، بل الّذي يلتزم به ان ارتفاع الأمر بالجزء يلازم ارتفاع الأمر بالكل ويحتاج وجوب الباقي إلى دليل آخر من استصحاب أو الإجماع القائم في باب الصلاة على ان : « الصلاة لا تسقط بحال » وبنحو ذلك.