ولا يلزم من ذلك أن يكون الرفع هنا كالرفع على الاحتمال الثالث موجبا للوضع ؛ لأنّ رفع الترك عبارة عن الوجود ، لأنّه يقال : إنّ الاحتمال الثاني إنّما يرفع الوجود التشريعي فقط ، فما وقع من الإنسان بأحد هذه المذكورات فهو ليس ثابتا شرعا موضوعا أو متعلّقا للأحكام الشرعيّة ، وهذا بإطلاقه يشمل وقوع الفعل أو الترك ، فإذا ارتفع الوجود الشرعي لترك الصوم فهذا لا يعني أنّ وجود الصوم هو المتحقّق ؛ لأنّه لا ينظر إلى الخارج ليقال : ما دام عدم الصوم منتفيا فوجوده متحقّق ؛ لأنّ الوجود والعدم نقيضان إذا ارتفع أحدهما يثبت الآخر ، وإنّما النظر إلى عالم التشريع فقط ، فهذا الترك المتحقّق في الخارج ليس موضوعا أو متعلّقا شرعا للأحكام والآثار الشرعيّة ، وهذا ليس وضعا كما هو واضح.
وعلى أي حال فحديث الرفع يدلّ على أنّ الإنسان إذا شرب المسكر اضطرارا أو أكره على ذلك فلا حرمة ولا وجوب للحدّ ، كما أنّه إذا أكره على معاملة فلا يترتّب عليها مضمونها.
نعم ، يختصّ الرفع بما إذا كان في الرفع امتنان على العباد ؛ لأنّ الحديث مسوق مساق الامتنان ، ومن أجل ذلك لا يمكن تطبيق الحديث على البيع المضطرّ إليه لإبطاله ؛ لأنّ إبطاله يعني إيقاع المضطرّ في المحذور ، وهو خلاف الامتنان ، بخلاف تطبيقه على البيع المكره عليه ، فإنّ إبطاله يعني تعجيز المكره عن التوصّل إلى غرضه بالإكراه.
والحاصل من فقه الحديث : أنّ حديث الرفع يدلّ على أنّ الإنسان إذا صدر منه فعل عن خطأ أو نسيان أو جهل أو إكراه كشرب الخمر مثلا فلا تترتّب عليه الآثار الشرعيّة من حرمة أو فسق أو وجوب الحدّ ، هذا في الأحكام التكليفيّة.
وهكذا في الأحكام الوضعيّة كالبيع والزواج والطلاق ، فحديث الرفع يمكن تطبيقه فيما إذا صدر منه البيع أو الزواج أو الطلاق خطأ أو نسيانا أو إكراها أو جهلا ، بمعنى أنّ الآثار الشرعيّة لا تترتّب على هذا الموضوع.
إلا أنّه يشترط في تطبيق حديث الرفع أن يكون فيه امتنان على الإنسان ؛ لأنّ حديث الرفع وارد في مقام الامتنان من الشارع على أمّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.