أوّلا : إثبات التأمين والمعذّريّة أمام الواقع المشكوك بحيث لا يكون المكلّف مؤاخذا على المخالفة.
وثانيا : إيجاد ما يعارض أدلّة وجوب الاحتياط على فرض تماميّتها.
وهذان الأمران يثبتان بالحديث سواء كان الرفع حقيقيّا أم ظاهريّا
أمّا الأوّل فلأنّ الحكم واقعا يكون مقيّدا بحقّ العالم فقط ، فلا يشمل الجاهل أصلا ، وهذا يعني عدم اشتغال ذمّته واقعا بشيء ، بل هو بريء الذمّة واقعا من كلّ إلزام فلا عقاب عليه ولا منجّزيّة بحقّه ؛ إذ لا حكم موجّه إليه حالة الجهل.
وأمّا الثاني فلأنّ الرفع الظاهري يثبت أنّ المكلّف الشاكّ قد جعل بحقّه حكم ظاهري ترخيصي ، وهو يعني أنّ ملاكات الترخيص هي الأهمّ ، فهناك إذا تأمين وبالتالي تكون أدلّة الاحتياط معارضة بأدلّة البراءة ؛ لأنّهما ينظران إلى حالة واحدة وهي حالة الشكّ في الحكم الواقعي ، وأحدهما ينجّزه والآخر يعذّر عنه.
ولكنّ الصحيح عدم اطّراد المطلوب على تقدير حمل الرفع على الواقعي ، إذ كثيرا ما يتّفق العلم أو قيام دليل على عدم اختصاص التكليف المشكوك ـ على تقدير ثبوته ـ بالعالم ، ففي مثل ذلك يجب الالتزام بتخصيص حديث الرفع مع الحمل على الواقعيّة ، خلافا لما إذا حمل على الرفع الظاهري.
والصحيح أنّ المطلوب إثباته ـ أي التأمين وإطلاق العنان وإيجاد معارض للاحتياط ـ لا يمكن إثباته إلا بحمل الرفع على الرفع الظاهري دون الواقعي ؛ وذلك لأنّه إذا حمل الرفع على الواقعي كان مفاد الحديث أنّ الجاهل الشاكّ بالحكم لا تكليف عليه واقعا ، فثبت أنّ الحكم واقعا مرفوع عن الجاهل ، وهذا قد يتحقّق في بعض الموارد فقط ولا يتحقّق في الأكثر والغالب ؛ وذلك لأنّنا نعلم أو يقوم دليل معتبر على أنّ الحكم المشكوك ليس مختصّا بالعالم به ، وإنّما يشمل الجاهل أيضا على تقدير كون هذا الحكم المشكوك ثابتا في الواقع ، إذ مع فرض ثبوته واقعا يستحيل كونه مقيّدا بالعالم ، لما تقدّم سابقا أنّ الأحكام شاملة غالبا للعالم والجاهل لإطلاقها وعمومها.
وعلى هذا فإذا شكّ المكلّف في الحكم ولم يعلم به ، فإن أراد التمسّك بحديث الرفع يجب أوّلا إثبات أنّ هذا الحكم المشكوك على تقدير ثبوته ليس شاملا للعالم والجاهل ، وإنّما مقيّد بالعالم.