ومن هنا لم يكن هناك معنى للتفرقة بين الأمارة والأصل بأخذ الشكّ وعدمه ، إذ لا يمكن تعقّل ذلك في نفسه.
فإن قيل : بأنّ الشكّ مأخوذ في الأصل موضوعا بينما الشكّ مأخوذ في الأمارة موردا لا موضوعا ، بمعنى أنّ الشكّ مأخوذ في الأمارات والأصول من حيث المورد والظرف ؛ لأنّهما حكم ظاهري وهو مجعول في مقام الشكّ في الحكم الواقعي غير أنّ الشكّ مأخوذ في موضوع الأصل أيضا دون الأمارة.
كان الجواب : أنّ هذا ـ لو سلّم ـ فهو يتخلّص من الاعتراض السابق ، إلا أنّه مع ذلك ليس صحيحا ؛ لأنّ الحكم الظاهري الذي يجعله الشارع إمّا أن يكون قد لوحظ فيه الشكّ أو لا.
فإن كان الشكّ ملحوظا فيه كان معناه أنّ الشكّ موضوع للحكم الظاهري سواء في ذلك الأمارة والأصل ؛ لأنّ معنى لحاظه كونه قيدا.
وإن لم يكن الشكّ ملحوظا من قبل الشارع كان الحكم الظاهري مطلقا سواء في ذلك الأمارة والأصل ، وإطلاقه يعني شموله لحالة العلم فيأتي الإشكال السابق.
وبتعبير آخر : أنّ الحكم الظاهري نوع واحد في عالم الجعل والثبوت الذي هو عالم التشريع ولحاظ الحكم والموضوع ، وهذا النوع الواحد إمّا أن يلاحظ فيه الشكّ أو لا ، فإن لوحظ كان مقيّدا وإن لم يلاحظ كان مطلقا ، ولا يمكن فرض نوعين من الحكم الظاهري في مقام الجعل والثبوت أحدهما أخذ ولوحظ فيه الشكّ دون الآخر.
نعم ، يمكن فرض ذلك في عالم الإثبات والصياغة الاعتباريّة كما هو مفاد الاتّجاه الثالث ، فيأتي فيه الإشكال الذي سنورده عليه.
الثالث : أنّ الفرق بينهما ينشأ من ناحية أخذ الشكّ في لسان دليل الأصل ، وعدم أخذه في لسان دليل حجّيّة الأمارة ، بعد الفراغ عن كونه مأخوذا في موضوعهما ثبوتا معا.
وهذا الفرق لا يفي أيضا بالمقصود. نعم ، قد يثمر في تقديم دليل الأمارة على دليل الأصل بالحكومة.
هذا ، مضافا إلى كونه اتّفاقيا ، فقد يتّفق أخذ عدم العلم في موضوع دليل