الحجّيّة كما لو بني على ثبوت حجيّة الخبر بقوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) فهل يقال بأنّ الخبر يكون أصلا حينئذ؟!
الاتّجاه الثالث : يذهب إلى التفرقة بين الأمارة والأصل على أساس ما هو المأخوذ في دليل حجّيّة كلّ منهما.
فإن كان المأخوذ في لسان الدليل الشكّ كان الحكم الظاهري أصلا ، وإن لم يكن الشكّ مأخوذا في لسان الدليل كان أمارة ، فالأصل هو ما أخذ الشكّ موضوعا في لسان دليله بينما الأمارة لم يكن الشكّ مأخوذا في لسان دليلها ، هذا في مرحلة الإثبات والصياغة.
وأمّا في مرحلة الثبوت ومقام الجعل والتشريع فلا فرق بين الأمارة والأصل في كون الشكّ مأخوذا في موضوعهما معا ؛ لأنّ الحكم الظاهري موضوعه الشكّ في الحكم الواقعي ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة.
ويرد على هذا الاتّجاه ، أوّلا : أنّه لا يفي بما تقدّم من كون مثبتات الأمارة ولوازمها العقليّة حجّة دون الأصل ؛ لأنّه مجرّد صياغة إثباتيّة ولا يبرز النكتة الثبوتيّة التي على أساسها حصل هذا الاختلاف.
نعم ، لعلّ هذه التفرقة تنفع في حلّ مشكلة تقدّم الأمارات على الأصول بالحكومة ، وذلك بأن يقال : إنّ الحكومة التي هي نوع من التخصيص والتقييد ولكن بلسان رفع الموضوع إنّما تجري بين الدليلين اللفظيّين ؛ لأنّ القرينة من شئون الألفاظ ، وحيث إنّ هذا الاتّجاه يفرّق بين الأمارة والأصل بلحاظ عالم الصياغة والدليل ، فهو ناظر إلى كيفيّة صياغة الدليل لفظا من كون الشكّ موجودا في موضوع دليل الأصل دون الأمارة.
وعلى هذا يقال : إنّ الأمارة حيث لم يؤخذ في موضوع دليلها الشكّ فهي مطلقة من هذه الناحية إثباتا لا ثبوتا ، ومفادها جعل العمليّة والطريقيّة والكاشفيّة لكلّ ما ليس بعلم ، فتشمل موارد الأصل أيضا ، فإذا كان هناك أمارة في مورد الأصل تقدّمت عليه ؛ لأنّها ترفع موضوعه بجعل العمليّة للمورد الذي قامت عليه ، وبالتالي يرتفع الشكّ تعبّدا فلا يجري الأصل.
وثانيا : أنّ هذه التفرقة ليست تامّة في تمام الموارد ، بل هي مجرّد اتّفاق محض ؛