والجواب على ذلك بوجهين :
الوجه الأوّل : ما عن المحقّق العراقي قدّس الله روحه (١) ، من أنّ الحديث لمّا كان امتنانيّا والامتنان يرتبط برفع التكليف الواقعي المشكوك ببعض مراتبه ، أي برفع وجوب الاحتياط من ناحيته ، سواء رفعت المراتب الأخرى أو لا ، فلا يكون الرفع في الحديث شاملا لتلك المراتب ، فالامتنان قرينة محدّدة للمقدار المرفوع.
الجواب الأوّل : ما ذكره المحقّق العراقي من أنّ حديث الرفع وارد للامتنان على الأمّة ؛ لأنّه رفع عنها ما لم يرفعه عن غيرها من الأمم ، وعليه فإذا كان المرفوع الحكم واقعا فهو يعني أنّه لم يشرّع أصلا فلا يكون في مورده امتنان.
وأمّا إذا كان الحكم ثابتا في الواقع إلا أنّه في مورد الشكّ والجهل به يكون وجوب الاحتياط من جهته مرفوعا ، فهذا فيه امتنان بلحاظ تشريع التسهيل والترخيص والتأمين ظاهرا ، وحينئذ يكون الامتنان مرتبطا برفع التكليف الواقعي ببعض مراتبه وهي مرحلة التنجّز في ظرف الشكّ والجهل ، فلا يجب الاحتياط تجاه التكليف المشكوك سواء كان الحكم الواقعي مرفوعا في الواقع أم لا ، فيكون الحديث شاملا لهذه المرتبة دون سائر المراتب الأخرى.
والقرينة الدالّة على ذلك هي نفس ورود الرفع في مقام الامتنان ؛ لأنّه هو الذي يحدّد هذا المقدار المرفوع.
ويمكن الاعتراض على هذا الوجه بأنّ الامتنان وإن كان يحصل بنفي إيجاب الاحتياط ولا يتوقّف على نفي الواقع ، ولكن لمّا كان نفي إيجاب الاحتياط بنفسه قد يكون بنفي الواقع رأسا أمكن أن تكون التوسعة الممتن بها مترتّبة على نفي الواقع ولو بالواسطة ، ولا يقتضي ظهور الحديث في الامتنان سوى كون مفاده منشأ للتوسعة والامتنان ولو بالواسطة.
ويرد على هذا الوجه :
أنّنا لو سلّمنا بأنّ الامتنان لا يكون إلا في رفع وجوب الاحتياط لا في رفع الحكم الواقعي نفسه ، إلا أنّنا نقول : إنّ نفي وجوب الاحتياط له تصويران :
__________________
(١) مقالات الأصول ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، نهاية الأفكار ٣ : ٢١٣.