وهكذا الحال بالنسبة لأدلّة البراءة من الروايات ، فإنّ النسبة بينها وبين أدلّة وجوب الاحتياط هي العموم والخصوص من وجه لا العموم والخصوص المطلق.
وبيان ذلك : أنّ حديث الرفع كما أنّه يشمل الشبهات الحكميّة والموضوعيّة معا فيكون أعمّ من أدلّة الاحتياط المختصّة في الشبهات الحكميّة ، إلا أنّه من جهة أخرى يكون أخصّ من أدلّة الاحتياط لكونه لا يشمل الشكّ في موارد العلم الإجمالي ، وإنّما يختصّ في موارد الشكّ البدوي كما تقدّم ؛ لأنّه في موارد العلم الإجمالي يصدق العلم.
بينما أدلّة الاحتياط كما تشمل موارد الشكّ البدوي كذلك تشمل موارد العلم الإجمالي فهي أعمّ من هذه الجهة ، وحينئذ يكون التعارض بينهما من باب العموم من وجه.
وهنا نقول : إنّ أدلّة البراءة تكون حجّة في مورد افتراقها عن أدلّة الاحتياط وهي موارد الشبهة الموضوعيّة ؛ لعدم شمول أدلّة الاحتياط لها ، وتكون أدلّة الاحتياط حجّة في مورد افتراقها عن أدلّة البراءة وهي موارد الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي ، لعدم شمول أدلّة البراءة له.
يبقى مورد الاجتماع وهو الشبهات الحكميّة المشكوكة شكّا بدويّا ، فإنّ أدلّة البراءة تشملها كما تشملها أدلّة الاحتياط ، فيقع التعارض بينهما بلحاظها ، وهنا أيضا تقدّم أدلّة البراءة ؛ لأنّ حديث الرفع موافق للكتاب بينما أدلّة البراءة مخالفة للكتاب ، وسوف يأتي الترجيح بما يكون موافقا للكتاب على ما يكون مخالفا له ، فيقدّم حديث الرفع لوجود مرجّح فيه بخلاف أدلّة الاحتياط.
ولو تنزّلنا عمّا ذكرناه ممّا يوجب ترجيح دليل البراءة وافترضنا التعارض والتساقط أمكن الرجوع إلى البراءة العقليّة على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وأمكن الرجوع إلى دليل الاستصحاب كما أوضحنا ذلك في الحلقة السابقة (١).
ثمّ إنّنا لو سلّمنا بالتعارض بين أدلّة الاحتياط والبراءة ، وتنزّلنا عن وجود المرجّح في أدلّة البراءة ، فمع هذا يكون التعارض لصالح أدلّة البراءة ؛ وذلك لأنّنا إذا قلنا بالتعارض المستقرّ ثمّ حكمنا بالتساقط ، فلا بدّ أن نرجع إلى ما كان حجّة في موارد الشبهات الموضوعيّة والحكميّة المشكوكة شكّا بدويّا.
__________________
(١) في نهاية ما جاء تحت عنوان : الاعتراضات على أدلّة البراءة.