كما تقدّم عند الكلام عن دلالتها (١) ، فهي كما تعتبر أعمّ بلحاظ شمولها للفعل والمال كذلك تعتبر أخصّ بلحاظ ما ذكرناه ، ومع التعارض بالعموم من وجه يقدّم الدليل القرآني لكونه قطعيّا.
والتحقيق : أنّ النسبة بين أدلّة البراءة القرآنيّة وبين أدلّة الاحتياط هي العموم والخصوص من وجه وليس العموم والخصوص مطلقا.
وتوضيح ذلك : أنّ الآية الكريمة : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ) كما أنّها تشمل المال والفعل والتكليف فتكون أعمّ من مورد أدلّة الاحتياط المختصّة بالشبهات الحكميّة ، إلا أنّها من جهة أخرى تكون أخصّ من أدلّة الاحتياط ؛ وذلك لأنّ الآية الكريمة مختصّة بما بعد الفحص ولا تشمل ما قبل الفحص كما تقدّم سابقا ؛ لأنّ الإيتاء للتكليف يكفي فيه أن يصدر التشريع في مظانّه من الكتاب والسنّة ، فلا بدّ من البحث عنه هناك وهذا هو معنى الفحص ، بينما أدلّة الاحتياط تشمل ما قبل الفحص وما بعده فهي أعمّ من هذه الجهة.
وفي موارد التعارض بالعموم من وجه يكون كلّ دليل حجّة في مورد افتراقه عن الآخر ، فتكون أدلّة الاحتياط حجّة في الشبهات الحكميّة قبل الفحص ؛ لأنّها ليست مشمولة للآية ، وتكون الآية حجّة في المال والفعل لعدم شمولهما لأدلّة الاحتياط.
وأمّا في مورد الاجتماع وهو الشبهات الحكميّة بعد الفحص فيقع التعارض بينهما بلحاظه ، وهنا يقدّم الدليل القرآني على الدليل الروائي ، لكونه قطعيّا من حيث السند والصدور ، بخلاف الدليل الروائي الدالّ على الاحتياط فإنّه ظنّي السند ؛ إذ أدلّة الاحتياط من الأخبار لا تبلغ درجة التواتر لتكون قطعيّة.
مضافا إلى أنّ خبر الواحد يشترط في حجّيّته ألاّ يكون مخالفا للكتاب ، وهنا أدلّة الاحتياط مخالفة للكتاب فتسقط عن الحجّيّة بلحاظ مورد الاجتماع.
كما أنّ النسبة بين أدلّة وجوب الاحتياط وحديث الرفع العموم من وجه أيضا ؛ لعدم شموله موارد العلم الإجمالي وشمول تلك الأدلّة لها ، ويقدّم حديث الرفع في مادّة الاجتماع والتعارض ؛ لكونه موافقا لإطلاق الكتاب ومخالفه معارض له.
__________________
(١) ضمن استعراض أدلّة البراءة الشرعيّة ، تحت عنوان : أدلّة البراءة من الكتاب.