قد يقال : إنّ التعارض بين أدلّة البراءة والاحتياط من التعارض غير المستقرّ ؛ لأنّه يمكن الجمع بينهما جمعا عرفيّا وبه ينحلّ التعارض.
وتوضيحه : أنّ أدلّة وجوب الاحتياط يعارضها من أدلّة البراءة نوعان : هما البراءة المستفادة من الآيات ، والبراءة المستفادة من الروايات.
أمّا البراءة المستفادة من الآيات فهي البراءة المستفادة من قوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ، ) وهذه الآية يمكن الجمع بينها وبين أدلّة وجوب الاحتياط ؛ وذلك لأنّ أدلّة وجوب الاحتياط مختصّة بالتكاليف والأحكام أي الشبهات الحكميّة ، بينما الآية كانت بإطلاقها شاملة للمال والفعل والتكليف أي الحكم ، والنسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق ؛ لأنّ مورد الاحتياط أخصّ ومورد الآية أعمّ منه ومن غيره.
والوجه بينهما بتخصيص وتقييد الآية في غير مورد الاحتياط فيخرج التكليف من موضوع الآية ، وبهذا يكون الاحتياط هو المقدّم ؛ لأنّ الآية بعد الجمع بينها وبين أدلّة الاحتياط سوف تشمل خصوص المال والفعل دون التكليف ، فإنّه يكون داخلا في أدلّة الاحتياط ؛ لأنّها نصّ فيه.
وهذا نظير ورود دليل مطلق ( أكرم العالم ) ودليل مقيّد ( لا تكرم الفاسق ) فإنّه يخصّص مورد الدليل المطلق بالعادل فقط.
وأمّا البراءة المستفادة من الروايات فكانت مستفادة من قوله ( عليهالسلام ) : « رفع ما لا يعلمون » كما تقدّم.
وقلنا : إنّ هذا الحديث يشمل الشبهات الحكميّة والشبهات الموضوعيّة معا ، بينما أدلّة الاحتياط مختصّة في الشبهات الحكميّة فتكون النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق أيضا ، وهنا تكون النتيجة لصالح أدلّة الاحتياط ؛ لأنّ مقتضى الجمع العرفي هو حمل العامّ على الخاصّ وإخراج مورد الخاصّ من دائرة العامّ ، وبالتالي سوف يكون حديث الرفع مقيّدا بالشبهات الموضوعيّة بعد أن كان شاملا للشبهات الحكميّة أيضا.
ولكنّ التحقيق : أنّ النسبة بين أدلّة وجوب الاحتياط والآية الكريمة هي العموم من وجه ؛ لشمول تلك الأدلّة موارد عدم الفحص واختصاص الآية بموارد الفحص