حسن الاحتياط وكونه مرغوبا فيه ، وهذا المقدار لا إشكال فيه ؛ وذلك لحكم العقل بحسن الاحتياط.
الثانية : أنّ أدلّة وجوب الاحتياط المدّعاة ليست حاكمة على أدلّة البراءة المتقدّمة ، لما اتّضح سابقا من أنّ جملة منها تثبت البراءة المنوطة بعدم وصول الواقع ، فلا يكون وصول وجوب الاحتياط رافعا لموضوعها ، بل يحصل التعارض حينئذ بين الطائفتين من الأدلّة.
النقطة الثانية : أنّنا لو سلّمنا بتماميّة الأدلّة على وجوب الاحتياط لكنّها لا تكون حاكمة على أدلّة البراءة والترخيص.
وتوضيح ذلك : أنّ بعض أدلّة البراءة كانت تثبت البراءة في فرض عدم العلم والبيان الأعمّ من الواقعي والظاهري ، وهذه الأدلّة محكومة لأدلّة وجوب الاحتياط ؛ لأنّها تثبت البيان الظاهري فيرتفع موضوع أدلّة البراءة.
إلا أنّ البعض الآخر من أدلّة البراءة كانت تثبت البراءة في فرض عدم العلم بالواقع فقط ، أي أنّ موضوعها الجهل والشكّ في الحكم الواقعي كحديث الرفع مثلا وكقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ).
وهذه الأدلّة لا تكون محكومة لأدلّة وجوب الاحتياط بل تكون معارضة لها ؛ وذلك لأنّهما حكمان ظاهريّان متنافيان وموضوعهما واحد ، وهو الشكّ وعدم العلم بالحكم الواقعي ، فهما إذا في رتبة عرضيّة واحدة وليس أحدهما في طول الآخر ليكون حاكما ، وحينئذ يحكم بتعارضهما.
الثالثة : إذا حصل التعارض بين الطائفتين فقد يقال بتقديم أدلّة وجوب الاحتياط ؛ لأنّ ما يعارضها من أدلّة البراءة القرآنيّة الآية الأولى على أساس الإطلاق في اسم الموصول فيها للتكليف ، وهذا الإطلاق يقيّد بأدلّة وجوب الاحتياط ، وما يعارضها من أدلّة البراءة في الروايات حديث الرفع وهي أخصّ منه أيضا ، لورودها في الشبهات الحكميّة وشموله للشبهات الحكميّة والموضوعيّة فيقيّد بها.
النقطة الثالثة : أنّه بعد وقوع المعارضة بين أدلّة البراءة وأدلّة وجوب الاحتياط ، فهل يحكم بالتساقط كما هو مقتضى الأصل الأوّلي في التعارض أو يكون بينهما جمع عرفي فيرتفع التعارض لكونه غير مستقرّ؟