تحديد مفاد البراءة
وبعد أن اتّضح أنّ البراءة تجري عند الشكّ لوجود الدليل عليها وعدم المانع ، يجب أن نعرف أنّ الضابط في جريانها أن يكون الشكّ في التكليف ؛ لأنّ هذا هو موضوع دليل البراءة ، وأمّا إذا كان التكليف معلوما والشكّ في الامتثال فلا تجري البراءة ، وإنّما تجري أصالة الاشتغال ؛ لأنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
ضابط جريان البراءة : بعد تماميّة الكلام عن الأدلّة على البراءة حيث ثبت أنّ البراءة تستفاد من تلك الأدلّة بنحو تكون مرجّحة على أدلّة الاحتياط المدّعاة عند تعارضهما ، وبعد أن كان موضوعها الشكّ في الحكم الواقعي ، نأتي الآن لتحديد الضابط والميزان لجريان البراءة بعد أن كان الدليل عليها تامّا وهو المقتضي والمانع مرتفعا وهو أدلّة الاحتياط.
فنقول : إنّ الضابط لجريان البراءة هو أن يكون الشكّ في التكليف ؛ لأنّ هذا هو المأخوذ في لسان أدلّتها كما في قوله : « رفع ما لا يعلمون » أي الحكم والتكليف غير المعلوم مرفوع ، وكما في قوله : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ) أي التكليف الذي لم يصل إلى المكلّف فهو غير داخل في العهدة.
فإذا كان الشكّ في الحكم جرت البراءة ، وأمّا إذا كان الحكم معلوما ولكن شكّ في امتثاله في الخارج فهذا النحو من الشكّ ليس مجرى للبراءة ؛ وذلك لأنّ التكليف معلوم وواصل إلى المكلّف ولا شكّ فيه ، وإنّما الشكّ تعلّق في امتثال المأمور به وعدم امتثاله ، سواء في ذلك قبل الشروع في العمل أم بعده ، كما إذا شكّ في أنّه هل صلّى الظهر أم لا؟ أو شكّ أنّه هل الصلاة التي صلاّها هي الظهر أم غيرها؟ أو شكّ في أنّ الشخص الذي تصدّق عليه فقير أم لا؟
فهذه كلّها من أنحاء الشكّ في الامتثال ، وفي مثل هذه الموارد تجري أصالة