وكلا الوجهين غير صحيح.
أمّا الأوّل : فلأنّ الاستحباب المولوي للاحتياط إمّا أن يكون نفسيّا لملاك وراء ملاكات الأحكام المحتاط بلحاظها ، وإمّا أن يكون طريقيّا بملاك التحفّظ على تلك الأحكام ، وعلى كلا التقديرين لا لغويّة.
أمّا على النفسيّة فلأنّ محرّكيّته مغايرة سنخا لمحرّكيّة الواقع المشكوك فتتأكّد إحداهما بالأخرى ، وأمّا على الطريقيّة فلأنّ مرجعه حينئذ إلى إبراز مرتبة من اهتمام المولى بالتحفّظ على الملاكات الواقعيّة في مقابل إبراز نفي هذه المرتبة من الاهتمام أيضا ، ومن الواضح أنّ درجة محرّكيّة الواقع المشكوك تابعة لما يحتمل أو يحرز من مراتب اهتمام المولى به.
أمّا الوجه الأوّل فجوابه : أنّنا نختار الشقّ الثاني وهو كون المراد بجعل الاستحباب للاحتياط إيجاد محرّك غير لزومي ، ولا محذور فيه وليس تحصيلا للحاصل.
وذلك لأنّ هذا الاستحباب المولوي إمّا أن يكون بملاك نفسي ، أي ناشئ من مصلحة وملاك في نفس الاحتياط هي التي دعت الشارع للحكم باستحبابه زائدا على الملاكات الواقعيّة للأحكام الإلزاميّة المشكوكة ، فهنا لن يكون هناك لغويّة وتحصيل الحاصل ؛ وذلك لأنّ الاحتياط الثابت بحكم العقل إنّما هو الاحتياط بملاك نفس الأحكام الواقعيّة الإلزاميّة ، أي نفس الحكم الواقعي الإلزامي المشكوك كان هو المحرّك للمكلّف نحو الإتيان به من أجل عدم الوقوع في المفسدة الواقعيّة ، أو لإدراك المصلحة الواقعيّة الموجودتين في الحكم المشكوك على تقدير ثبوته.
وأمّا الاحتياط الثابت بحكم الشارع فهو ناشئ من ملاكات خاصّة بالاحتياط ، أي أنّها ناشئة من وجود مصلحة في نفس العمل بالاحتياط.
كما في مثل قوله : « من ترك الشبهات كان لما استبان أترك » أي أنّ المصلحة في الاحتياط هي تدريب المكلّف على ترك المحرّمات المعلومة ؛ لأنّه إذا ترك الشبهات الإلزاميّة مع كونها مشكوكة سوف يترك المحرّمات المعلومة أيضا ؛ لصيرورة الترك من عادته وسجيّته ، فالمحرّكيّة الموجودة غير المحرّكيّة الثابتة شرعا من حيث الملاك ، فتكون الثانية مؤكّدة للأولى فلا لغويّة.