الأوّل : أنّ الاحتياط في التوصّليّات ممكن كما لو شكّ في أنّه مدين بعشرة أو تسعة ، فيمكنه الاحتياط وأداء الدين بالعشرة مع جواز اقتصاره على التسعة فقط ؛ لجريان البراءة عن الزائد ؛ لأنّه شكّ في التكليف.
الثاني : قد يقال : إنّ الاحتياط في العبادات مستحيل وممتنع ؛ وذلك لأنّه يشترط فيها نيّة التقرّب لله عزّ وجلّ بالعمل أو الترك ، وهذا لا يتمّ إلا إذا كان الفعل أو الترك معلوما وجهه من كونه واجبا أو مستحبّا أو حراما أو مكروها.
وتفصيل الحال أن يقال : إنّ مورد الاحتياط والذي هو أمر عبادي إن علم أصل مطلوبيّته وشكّ في وجه المطلوبيّة فيمكن الإتيان به بنيّة الأمر المعلوم وهو أصل المطلوبيّة من دون قصد للوجه ؛ إذ لا يلزم ذكر الوجه في نيّة القربة وعلى تقدير لزومها فهي واجبة عند القدرة عليها.
وهنا لا يعلم بالوجه فلا يكلّف بها وإلا لكان تكليف بغير المقدور ، وعلى هذا فإذا شكّ في وجوب صلاة الجمعة واستحبابها أو وجوب غسل الجمعة واستحبابه أمكنه الاحتياط بالإتيان بالفعل بقصد المطلوبيّة ؛ لأنّها معلومة وهي تكفي في نيّة التقرّب حيث لا يتمكّن من نيّة الوجه للجهل بها ، وهذا ممّا لا إشكال فيه.
وأمّا إذا جهل بالمطلوبيّة فقد يقال بالمنع من الاحتياط ، ولذلك قال :
وأمّا إذا كانت أصل مطلوبيّته غير معلومة فقد يستشكل في إمكان الاحتياط حينئذ ؛ لأنّه إن أتى به بلا قصد قربيّ فهو لغو جزما ، وإن أتى به بقصد امتثال الأمر فهذا يستبطن افتراض الأمر والبناء على وجوده ، مع أنّ المكلّف شاكّ فيه ، وهو تشريع محرّم ، فلا يقع الفعل عبادة لتحصل به موافقة التكليف الواقعي المشكوك.
وأمّا إذا كانت المطلوبيّة مجهولة بأن دار الأمر بين الوجوب والإباحة أو الاستحباب والإباحة ، فهنا لا يعلم بأصل المطلوبيّة ؛ لأنّها ثابتة على أحد التقديرين فقط ، بخلاف الفرض السابق فإنّ المطلوبيّة معلومة سواء كان واجبا أم مستحبّا ، فهنا قد يستشكل بالاحتياط في مثل هذا المورد ، بل يمنع من الاحتياط فيه ؛ وذلك لأنّه إن أراد الإتيان بالعمل من دون قصد القربي أصلا فلا يتحقّق الفعل العبادي ؛ لأنّ نيّة القربة شرط فيه فيكون الأمر بالاحتياط بهذا القصد لغوا ؛ إذ لن يحصل به المطلوب