والملاك الكلّي في هذه الأصول العقليّة واحد ، وهو تحديد دائرة حقّ الطاعة الثابتة للمولى عقلا ، وأنّ حقّ الطاعة هل يثبت في هذا المورد أم لا؟
ومن أمثلة هذه الأصول العقليّة :
أوّلا : قاعدة الاشتغال اليقيني التي تجري في الشبهات الموضوعيّة عند الشكّ في المكلّف به ، فهذه القاعدة مرجعها في الحقيقة إلى تحديد دائرة حقّ الطاعة ، وأنّ هذه الدائرة هل تختصّ بالامتثال اليقيني فقط أو تشمل الامتثال الاحتمالي أيضا؟ فيقال : إنّ حقّ الطاعة الثابت للمولى لا يكفي فيه الامتثال والطاعة الاحتماليّة ، بل لا بدّ من الامتثال اليقيني ؛ لكي يعلم بفراغ الذمّة وخروجها عن عهدة حقّ الطاعة ، وأمّا الطاعة الاحتماليّة فلا تفي بفراغ الذمّة وخروجها يقينا عن العهدة وحقّ الطاعة.
وثانيا : قاعدة البراءة العقليّة على مسلك المشهور ، حيث ذهبوا إلى أنّ العقل يحكم في موارد الشبهات الحكميّة البدويّة بالبراءة والتأمين ، فإنّ هذه القاعدة مرجعها في الحقيقة إلى أنّ دائرة حقّ الطاعة لا تشمل إلا التكاليف المقطوعة أي المعلومة يقينا ، وأمّا التكاليف المظنونة والمشكوكة والمحتملة فهي ليست موردا لحقّ الطاعة.
وثالثا : قاعدة الاحتياط العقلي في موارد الشبهات الحكميّة على المسلك المختار ، فإنّها حكم عقلي مرجعها إلى أنّ دائرة حقّ الطاعة الثابتة للمولى تشمل كلّ انكشاف للتكليف ، سواء كان بنحو قطعي أم ظنّي أم كان احتمالا فقط.
وهكذا البحث في سائر الأصول العمليّة العقليّة كالاحتياط في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، فإنّ العقل يحكم بلزوم الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة فيها ، وليس ذلك إلا لأنّ دائرة حقّ الطاعة تشمل كلّ انكشاف للتكليف الأعمّ من القطعي وغيره.
وكذا قاعدة التنجيز العقلي في موارد التعارض أو الدوران بين المتباينين ، فإنّ مردّها إلى دائرة حقّ الطاعة أيضا.
وبهذا يظهر أنّ الأصول العمليّة العقليّة من المدركات العقليّة التي يستقلّ العقل بها في موارد الشكّ في الحكم الشرعيّ ، والتي مرجعها إلى حقّ الطاعة سعة وضيقا.
وللقسمين مميّزات يمكن ذكر جملة منها فيما يلي :
أوّلا : أنّ الأصول العمليّة الشرعيّة أحكام شرعيّة ، والأصول العمليّة العقليّة