ترجع إلى مدركات العقل العملي فيما يرتبط بحقّ الطاعة.
ثمّ إنّه توجد فوارق نظريّة وعمليّة بين الأصول العمليّة الشرعيّة والعقليّة ، نذكر منها ما يلي :
أوّلا : أنّ الأصول العمليّة الشرعيّة مرجعها إلى حكم الشارع فلا بدّ أن تكون صادرة من الشارع ؛ لأنّه هو الذي يحدّد هذه الوظائف التي يرجع إليها المكلّف عند الشكّ في التكليف ، فمدركها الآيات والروايات أو الإجماع أو السيرة.
بينما الأصول العمليّة العقليّة مرجعها إلى حكم العقل العملي بأنّ هذا ما ينبغي أن يوجد ويكون ، أي أنّ العقل يستقلّ بالحكم في تحديد الوظيفة العمليّة للمكلّف الشاكّ في التكليف ، وهذا الحكم العقلي أساسه الذي يستند عليه هو دائرة حقّ الطاعة سعة وضيقا وإثباتا ونفيا.
وهذا فارق نظري بين القسمين.
ثانيا : أنه ليس من الضروري أن يوجد أصل عملي شرعي في كلّ مورد ، وإنّما هو تابع لدليله ، فقد يوكل الشارع أمر تحديد الوظيفة العمليّة للشاكّ إلى عقله العملي ، وهذا خلافا للأصل العملي العقلي ، فإنّه لا بدّ من افتراضه بوجه في كلّ واقعة من وقائع الشكّ في حدّ نفسها.
ثانيا : أنّ الأصول العمليّة الشرعيّة ليس من الضروري وجودها في كلّ مورد مشكوك ؛ وذلك لأنّها أحكام شرعيّة مجعولة من قبل الشارع ، وعليه فيمكن للشارع أن يجعل حكما شرعيّا فيحدّد على أساسه الوظيفة العمليّة للشاكّ في هذه الواقعة ، ويمكنه ألاّ يتدخّل مباشرة وذلك بأن يوكل أمر تحديد الوظيفة العمليّة إلى حكم العقل ، فلذلك يكون جعلها ممكنا كعدم جعلها أيضا.
وأمّا الأصول العمليّة العقليّة فمن الضروري أن تكون موجودة في كلّ واقعة من الوقائع المشكوكة سواء منها البدويّة أم المقرونة بالعلم الاجمالي ؛ وذلك لأنّها من مدركات العقل العملي المستقلّ بأنّ هذا ما ينبغي أن يوجد ويكون ، ففي كلّ واقعة يحكم العقل إمّا بلزوم الامتثال والإطاعة وإمّا بالتأمين والمعذّريّة ، وإمّا بالتخيير ولا تخلو واقعة من أحد هذه الأحكام العقليّة.
ثمّ إنّ هذا الحكم العقلي قد يبقى بأن يصدر من الشارع حكما مؤيّدا ومرشدا