لحكم العقل ، أو يسكت عنه كذلك ، أو يصدر من الشارع ما يخالف حكم العقل هذا ، وفي هذه الحالة يستحيل أن يكون حكم العقل قطعيّا ؛ لأنّه لا يمكن أن يصدر من الشارع ما يخالف أحكام العقل القطعيّة ، بل يكون ظنّيّا ، وحينئذ يكون صدور الحكم الشرعي متقدّما على حكم العقل الظنّي ؛ لأنّه يكون إرشادا إلى عدم حجّيّة مثل هذا الحكم.
ثالثا : أنّ الأصول العمليّة العقليّة قد تردّ إلى أصلين ؛ لأنّ العقل إن أدرك شمول حقّ الطاعة للواقعة المشكوكة حكم بأصالة الاشتغال ، وإن أدرك عدم الشمول حكم بالبراءة ، ولكن قد يفرض أصل عملي عقلي ثالث وهو أصالة التخيير في موارد دوران الأمر بين المحذورين.
ثالثا : أنّ الأصول العمليّة العقليّة يمكن إرجاعها إلى أصلين فقط ، وذلك بأن يقال : إنّ الأصول العقليّة مرجعها إلى تحديد دائرة حقّ الطاعة سعة وضيقا أو إثباتا ونفيا ، وحينئذ نقول : إنّ العقل تارة يدرك أنّ حقّ الطاعة منتف في هذه الواقعة المشكوكة فيحكم بالبراءة والتأمين ، وليس هناك شيء آخر ، فمثلا إذا كانت الشبهة بدويّة حكم العقل بالتأمين بناء على مسلك المشهور باعتبار أنّ حقّ الطاعة مختصّ بالتكاليف الثابتة بالقطع فقط ، وأخرى يدرك ثبوت حقّ الطاعة فيحكم بالتنجيز كما إذا كانت الشبهة مقرونة بالعلم الإجمالي ، فإنّه يحكم بالاحتياط ووجوب الموافقة القطعيّة فيكون حقّ الطاعة أوسع من العلم التفصيلي والعلم الإجمالي.
ثمّ إنّه قد يفرض وجود أصل عملي عقلي ثالث ، وهو أصالة التخيير وذلك فيما إذا كانت الواقعة المشكوكة يدور أمرها بين محذورين كالوجوب والحرمة ، فإنّ العقل لا يحكم بالاحتياط إذ يستحيل الجمع بين المحذورين معا ؛ لأنّه من اجتماع الضدّين معا على موضوع واحد ، ولا يحكم بالبراءة ؛ لأنّ المكلّف عمليّا إمّا أن يفعل أو يترك ، فلا يمكن التأمين عنهما معا لثبوت أحدهما واقعا فيلزم الوقوع في المخالفة القطعيّة ولو التزاما كما سيأتي في محلّه ، فحينئذ يحكم بالتخيير.
وقد يعترض على افتراض هذا الأصل : بأنّ التخيير إن أريد به دخول التكليف في العهدة واشتغال الذمّة ولكن على وجه التخيير فهو غير معقول ؛ لأنّ الجامع بين الفعل والترك في موارد الدوران بين المحذورين ضروري الوقوع ، وإن أريد به