أنّه لا يلزم المكلّف عقلا بفعل ولا ترك ولا يدخل شيء في عهدته فهذا عين البراءة.
وسيأتي (١) تفصيل الكلام حول ذلك في بحث دوران الأمر بين المحذورين إن شاء الله تعالى.
إشكال وجوابه : إلا أنّ هذا الأصل العملي الثالث وجّه إليه اعتراضات منها هذا الاعتراض وحاصله : أنّ التخيير المفترض في موارد دوران الأمر بين المحذورين ما ذا يراد به؟
فإن أريد به كون التكليف داخلا في العهدة والذمّة على نحو التخيير ـ بمعنى أنّ المكلّف يجب عليه تكليف ما في هذه الواقعة التي يدور أمرها بين الوجوب والحرمة ، فجامع التكليف داخل في العهدة ، والذمّة مشتغلة به إلا أنّ المكلّف مخيّر بينهما في مقام الامتثال فله أن يختار الحرمة أو الوجوب ـ فهذا غير معقول ؛ وذلك لأنّ الجامع بين الفعل والترك والذي يدخل في العهدة ضروري الوقوع ؛ وذلك لأنّ المورد يدور بين المحذورين فالمكلّف إمّا فاعل أو تارك لا محالة ، وحينئذ لا نحتاج إلى الحكم بالتخيير ؛ إذ لا فائدة منه عمليّا فيكون مثل هذا الأصل العقلي لغوا ؛ لأنّه تحصيل للحاصل.
وإن أريد به كون المكلّف غير ملزم بشيء من هذين التكليفين أي أنّه لا يدخل في عهدته ولا تشتغل ذمّته بشيء منهما لا بنحو التفصيل ولا بنحو الجامع ، فهذا عين البراءة ؛ لأنّ البراءة معناها التأمين عن التكليف المشكوك ، وحينئذ يلغي جعل التخيير ؛ لأنّ البراءة تفي بالمقصود منه.
وبهذا يتّضح أنّه لا يوجد معنى محصّل للتخيير العقلي في هذا المورد.
والجواب عنه سيأتي مفصّلا عند الكلام عن دوران الأمر بين المحذورين ، وحاصله : أنّ المراد من البراءة التأمين عن التكليف المشكوك في موارد الشبهات البدويّة ، وأمّا الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي فلا تجري فيها البراءة للعلم بأصل التكليف والذي يعتبر بيانا إجماليّا ، ولذلك لا يمكن إجراء البراءة هنا ما دام العلم الإجمالي بالجامع موجودا ، وإنّما تجري أصالة التخيير العقلي والتي نتيجتها عمليّا كالبراءة.
__________________
(١) في البحث الثالث من أبحاث الوظيفة العمليّة في حالة الشكّ ، تحت عنوان الوظيفة عند الشكّ في الوجوب والحرمة معا.