وأمّا الأصول العمليّة الشرعيّة فلا حصر عقلي لها في البراءة أو الاشتغال ، بل هي تابعة لطريقة جعلها ، فقد تكون استصحابا مثلا.
وأمّا الأصول العمليّة الشرعيّة فلا يمكن حصرها عقلا ، وذلك لما تقدّم من أنّها أحكام شرعيّة يجعلها الشارع في موارد الشكّ في التكليف أو المكلّف به ، ولهذا تكون تابعة لكيفيّة جعلها شرعا وللصياغة والأسلوب التي تصاغ به هذه الأصول العمليّة ، وعليه فقد يجعل الشارع البراءة أو الاحتياط والاشتغال وقد يجعل الاستصحاب أو التخيير ونحو ذلك.
هذا كلّه بحسب الموضوعات الخارجيّة أي بلحاظ النظر إلى عالم الخارج ، وأمّا بلحاظ عالم الجعل والتشريع فالشارع عند تصوّره الحكم المشكوك إمّا أن يؤمّن عنه ، أو يجعله منجّزا فهي محصورة من هذه الناحية عقلا.
إلا أنّه بلحاظ الوقائع الخارجيّة فقد تكون في الواقعة خصوصيّة معيّنة يلاحظها الشارع فلا يجعل البراءة أو الاحتياط ، بل يجعل بل يجعل الاستصحاب أو التخيير ، إلا أنّ النتيجة عمليّا بالنسبة للمكلّف واحدة ؛ لأنّه إمّا أن يفعل أو يترك.
رابعا : أنّ الأصول العمليّة العقليّة لا يعقل التعارض بينها لا ثبوتا ـ كما هو واضح ـ ولا إثباتا ؛ لأنّ مقام إثباتها هو عين إدراك العقل لها ، ولا تناقض بين إدراكين عقليّين.
وأمّا الأصول العمليّة الشرعيّة فيعقل التعارض بينها إثباتا بحسب لسان أدلّتها ، ولا بدّ من علاج ذلك وفقا لقواعد باب التعارض بين الأدلّة.
رابعا : أنّ الأصول العمليّة العقليّة لا يعقل فيها التعارض لا ثبوتا ولا إثباتا.
أما ثبوتا فلأنّ الأصول العمليّة العقليّة مرجعها إلى مدركات العقل العملي بما ينبغي أن يكون في حال الشكّ في التكليف الواقعي ، فالعقل تارة يدرك أنّ ما ينبغي أن يكون هو الاحتياط وشغل الذمّة على أساس سعة دائرة حقّ الطاعة وشمولها للمورد كما في حالات الشكّ في المكلّف به والعلم الإجمالي ، وأخرى يدرك بأنّ ما ينبغي أن يكون هو البراءة والتأمين عن الواقعة المشكوكة على أساس عدم شمول حقّ الطاعة للمورد كما في حالات الشبهات البدويّة ، وحينئذ لا يقع التعارض بين هذين الإدراكين ؛ لأنّ لكلّ منهما موضوعا يختلف عن الآخر فيستحيل اجتماعهما معا.