فذهب جماعة كالمحقّق النائيني (١) والسيّد الأستاذ (٢) إلى أنّ العلم الإجمالي لا يقتضي بحدّ ذاته الموافقة القطعيّة ، وتنجيز كلّ أطرافه مباشرة.
وذهب المحقّق العراقي (٣) وغيره (٤) إلى أنّ العلم الإجمالي يستدعي وجوب الموافقة القطعيّة ، كما يستدعي حرمة المخالفة القطعيّة.
ويظهر من بعض هؤلاء المحقّقين أنّ المسألة مبنيّة على تحقيق هويّة العلم الإجمالي ، وهل هو علم بالجامع أو بالواقع؟
وعلى هذا الأساس سوف نمهّد للبحث بالكلام عن هويّة العلم الإجمالي والمباني المختلفة في ذلك ، ثمّ نتكلّم في مقدار التنجيز على تلك المباني.
وأمّا المرحلة الثانية : وهي وجوب الموافقة القطعيّة فهي الأساس في هذا البحث.
والسؤال المطروح هنا هو : هل العلم الإجمالي ينجّز وجوب الموافقة القطعيّة عقلا أو لا؟
والجواب على ذلك مختلف ، فذهب الميرزا والسيّد الخوئي إلى أنّ العلم الإجمالي بنفسه لا يستلزم وجوب الموافقة القطعيّة عقلا ، أي أنّ العلم الإجمالي بنفسه وبحدّ ذاته لا يستلزم أكثر من حرمة المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال ؛ لتماميّة البيان عليه كما تقدّم ، إمّا مستقلاّ وإمّا ضمنا.
وأمّا وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة الاحتماليّة فهذا لا يستلزمه نفس العلم الإجمالي. نعم ، هذا المقدار يتنجّز لجهة أخرى وهي جريان الأصول الترخيصيّة في كلّ الأطراف وتعارضها وتساقطها كما سيأتي ، وهذا المسلك يسمّى بمسلك الاقتضاء.
بينما ذهب المحقّق العراقي وغيره إلى أنّ العلم الإجمالي بنفسه وذاته كما يستدعي حرمة المخالفة القطعيّة كذلك يستدعي وجوب الموافقة القطعيّة بنحو يمنع حتّى عن المخالفة الاحتماليّة ، فكلّ الأطراف يجب امتثالها في الشبهات الوجوبيّة أو يجب
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٤٢.
(٢) مصباح الأصول ٢ : ٣٤٨ ـ ٣٥٠.
(٣) مقالات الأصول ٢ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣.
(٤) كالمحقّق الخراساني في كفاية الأصول : ٤٠٨.