وهذا من قبيل رؤية الشخص فإن كانت الرؤية من قرب فهي رؤية واضحة وجليّة كالعلم التفصيلي ، وإن كانت الرؤية من بعد فهي رؤية لشبح الشخص أي للشخص ولكن بغموض وتشويش ، إلا أنّه في الحالتين تكون الرؤية للشخص الموجود المتعيّن في الواقع بحدّه الشخصي ، وليست الرؤية للجامع كما هو واضح.
وبهذا ظهر أنّ الاختلاف بين العلمين التفصيلي والإجمالي في نفس الصورة الذهنيّة من حيث الوضوح والغموض ، وأمّا المحكي في الصورتين فهو شيء واحد وهو الواقع الخارجي.
ويمكن أن يبرهن على ذلك بأنّ العلم في موارد العلم الإجمالي لا يمكن أن يقف على الجامع بحدّه ؛ لأنّ العالم يقطع بأنّ الجامع لا يوجد بحدّه في الخارج ، وإنّما يوجد ضمن حدّ شخصي ، فلا بدّ من إضافة شيء إلى دائرة المعلوم ، فإن كان هذا الشيء جامعا كلّيّا عاد نفس الكلام حتّى ننتهي إلى العلم بحدّ شخصي.
ولمّا كان التردّد في الصورة مستحيلا كما تقدّم تعيّن أن يكون العلم متقوّما بصورة شخصيّة معيّنة مطابقة للفرد الواقعي بحدّه ، ولكنّ حكايتها عنه إجماليّة.
ثمّ إنّه يمكننا أن نذكر برهانا لهذا الاتّجاه وحاصله أن يقال : إنّه في موارد العلم الإجمالي كالعلم بوجوب الظهر أو الجمعة يوم الجمعة ، لا يمكن أن يكون متعلّق علمنا هو الجامع بحدّه الجامعي ، أي المفهوم الكلّي المنتزع من الأفراد بعد تجريدها عن الخصوصيّات وإلغاء المميّزات والمشخّصات ؛ وذلك لأنّ مثل هذا الجامع لا وجود له في الخارج بنحو مستقلّ كما هو واضح ؛ لأنّ الوجود مساوق للتشخّص وهو ملاك الفرديّة والجزئيّة.
وحينئذ لا بدّ أن يكون هناك شيء آخر منضمّا إلى هذا الجامع ليعقل تعلّق العلم الإجمالي به ، وهذه الخصوصيّة إمّا أن تكون كلّيّة وإمّا أن تكون شخصيّة.
فإن كانت كلّيّة عاد المحذور السابق ؛ لأنّ الكلّي لا يوجد في الخارج بحدّه الكلّي فلا بدّ من ضمّ شيء معه ، وهكذا لا بدّ أن ننتهي إلى كون تلك الخصوصيّة ليست كلّيّة بل شخصيّة.
وهذه الخصوصيّة الشخصيّة إمّا أن تكون مردّدة وإمّا أن تكون متعيّنة بحدّ شخصي.