أحدهما : أنّه علم بالجامع ، والآخر : أنّه علم بالواقع بنحو الحكاية الإجماليّة.
فبناء عليه تكون الصورة العلميّة التي تعلّق بها العلم الإجمالي مركّبة من جزءين : أحدهما واضح وجلي وهو الجامع ، والآخر غامض ومشوب وهو الفرد الواقعي ، فيكون عنصر الوضوح مندمجا مع عنصر الغموض ولذلك تكون الصورة العلميّة إجماليّة ، بخلاف العلم التفصيلي فإنّ الصورة العلميّة فيه واضحة تماما فهي صورة جليّة وتفصيليّة تماما.
وحينئذ نقول : إنّ هذه الصورة الإجماليّة وإن كانت مطابقة للواقع بحدّه الشخصي إلا أنّها مطابقة غير واضحة بل غامضة في جانب ، وواضحة وجليّة في جانب آخر ، والمقدار الذي يتنجّز هنا هو المقدار المطابق لجانب الوضوح ؛ لأنّه بهذا المقدار يكون قد تمّ البيان والكشف ، دون المقدار المطابق لجانب الخفاء والغموض ؛ لأنّه يكون عندئذ مظلما غير بيّن ولا منكشف.
والدليل على ذلك : أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا تخرج من دائرتها إلا المقدار الذي تمّ عليه البيان والعلم ، أي المقدار المنكشف والواضح دون المقدار الغامض والمبهم والمشوب ، فإنّه لا انكشاف ولا إرادة بلحاظه.
والمقدار الواضح والمبيّن هنا هو الجامع فقط دون الفرد ؛ لأنّه لا بيان ولا وضوح في تعلّق العلم بالفرد بحدّه الشخصي وإلا لصار العلم تفصيليّا.
وبتعبير آخر : أنّه يوجد في الصورة العمليّة المعلومة بالعلم الإجمالي جانبان :
أحدهما مبيّن وهو الجامع ، والآخر مجمل وهو الفرد ، أمّا الجانب المبيّن فيخرج عن دائرة القاعدة ؛ لأنّه قد تمّ عليه البيان ، وأمّا الجانب المجمل فيبقى داخلا في القاعدة ؛ لأنّه لم يتمّ عليه البيان وإلا لكان هناك علم تفصيلي بالفرد الواقعي وهو خلف.
فتحصّل أنّ المقدار المنجّز هو الجامع ؛ لأنّه المطابق لجانب الوضوح والبيان ، فلا يجب إلا تحقيق الجامع وهذا يتمّ بالإتيان بأحد الفردين ، فهو كالمبنى الأوّل في النتيجة العمليّة.
وعليه ، فالمنجّز مقدار الجامع لا أكثر على جميع المباني المتقدّمة ، وعليه فالعلم الإجمالي لا يقتضي بذاته وجوب الموافقة القطعيّة.
وبهذا ظهر أنّه على جميع المسالك في تفسير حقيقة العلم الإجمالي يكون المنجّز مقدار الجامع فقط ، والجامع يتحقّق بالإتيان بفرد من أفراده.