وهذا معناه أنّ العلم الإجمالي بنفسه وذاته لا يقتضي وجوب الموافقة القطعيّة ، سواء كان علما بالجامع أو بالواقع أو بالفرد المردّد ، وإنّما لم يذكر الفرد المردّد هنا فلأنّه غير معقول في نفسه إلا أن يرجع إلى الجامع الانتزاعي فيكون كالمبنى الأوّل.
هذا تمام الكلام في كون العلم الإجمالي منجّزا لحرمة المخالفة القطعيّة دون الموافقة القطعيّة في نفسه وبقطع النظر عن الأصول الترخيصيّة.
إلا أنّه يمكن أن يقال بأنّ العلم الإجمالي يستتبع وجوب الموافقة القطعيّة لا لنفسه وإنّما لدليل من الخارج ؛ ولذلك قال :
ويوجد تقريبان لإثبات أنّ العلم الإجمالي يستتبع وجوب الموافقة القطعيّة :
الأوّل : ما قد يظهر من بعض كلمات المحقّق الأصفهاني (١) ، وحاصله مركّب من مقدّمتين :
الأولى : أنّ ترك الموافقة القطعيّة بمخالفة أحد الطرفين يعتبر مخالفة احتماليّة للجامع ؛ لأنّ الجامع إن كان موجودا ضمن ذلك الطرف فقد خولف وإلا فلا.
والثانية : أنّ المخالفة الاحتماليّة للتكليف المنجّز غير جائزة عقلا ؛ لأنّها مساوقة لاحتمال المعصية ، وحيث إنّ الجامع منجّز بالعلم الإجمالي فلا تجوز مخالفته الاحتماليّة.
التقريب الأوّل : ما قد يظهر من بعض كلمات المحقّق الأصفهاني ، بمعنى أنّه لم يصرّح بذلك وإنّما ظاهر بعض عباراته تدلّ على ذلك ، وهذا التقريب مركّب من مقدّمتين :
المقدّمة الأولى : إذا قلنا : إنّ الموافقة القطعيّة غير واجبة فمعناه أنّه يجوز الإتيان بأحد الفردين دون الآخر ، وحينئذ يمكن أن يكون الجامع قد امتثل ضمن الفرد الذي أتى به بأن كان الوجوب متعلّقا به في الواقع فتتحقّق الموافقة ، إلا أنّه يمكن أيضا أن يكون الطرف الآخر هو الواجب واقعا فلا يكون الجامع قد امتثل.
وهذا يعني أنّ ترك الموافقة القطعيّة لازمه المخالفة الاحتماليّة للتكليف المعلوم أي الجامع.
المقدّمة الثانية : أنّ المخالفة الاحتماليّة للتكليف المعلوم أي الجامع غير جائزة ؛ وذلك
__________________
(١) راجع : نهاية الدراية ٣ : ٩١ ـ ٩٥.