وهذا يعني أنّ العلم الإجمالي يكون مستدعيا لوجوب الموافقة القطعيّة بنحو معلّق على عدم المانع ، فتجب الموافقة القطعيّة ؛ لوجود المقتضي وهو نفس العلم الإجمالي ؛ ولعدم المانع أي عدم الترخيص الشرعي ، فإذا ورد الترخيص الشرعي في بعض الأطراف كان معناه تحقّق المانع من تأثير العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة ، فلا تجب لا من باب عدم المقتضي بل من باب وجود المانع ، وعلى هذا فلا يستحيل صدور مثل هذا الترخيص الشرعي ؛ لأنّه يكون من باب الحيلولة من تأثير العلم الإجمالي لا من باب رفع هذا التأثر بعد فعليّته ، فإنّه لا يتمّ إلا بإسقاط العلم الإجمالي عن الحجّيّة وهذا لا يكون إلا بدعوى انحلاله مثلا ونحو ذلك كما سيأتي.
وعلى هذا الأساس وجد اتّجاهان بين القائلين باستدعاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة :
أحدهما : القول بالاستدعاء على نحو العلّيّة ، وذهب إليه جماعة منهم المحقّق العراقي. (١)
والآخر : القول بالاستدعاء على نحو الاقتضاء ، وذهب إليه جماعة منهم المحقّق النائيني على ما هو المنقول عنه في فوائد الأصول (٢).
فتحصّل من ذلك : أنّه بناء على المسلك القائل بأنّ العلم الإجمالي يستدعي بذاته وجوب الموافقة القطعيّة يوجد اتّجاهان ومسلكان :
الأوّل : أنّ استدعاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة من باب استدعاء العلّة لمعلولها استدعاء منجّزا غير متوقّف على شيء ، وهذا ما ذهب إليه المحقّق العراقي وجماعة.
الثاني : أنّ استدعاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة من باب الاقتضاء ، أي استدعاء معلّقا على عدم وجود المانع ، وهذا ما ذهب إليه المحقّق النائيني كما نسب إليه في تقرير بحثه.
وقد ذكر المحقّق العراقي رحمهالله في تقريب العلّيّة : أنّه لا شكّ في كون العلم منجّزا لمعلومه على نحو العلّيّة ، فإذا ضممنا إلى ذلك أنّ المعلوم بالعلم
__________________
(١) مقالات الأصول ٢ : ٢٣٤.
(٢) فوائد الأصول ٤ : ٢٥.