وأجاب المحقّق العراقي (١) على هذا الاعتراض : بأنّ قاعدة الفراغ وأمثالها ليست ترخيصا في ترك الموافقة القطعيّة لتكون منافية لافتراض علّيّة العلم لوجوبها ، بل هي إحراز تعبّدي للموافقة أي موافقة قطعيّة تعبّديّة ، وافتراض العلّيّة يعني علّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة وجدانا أو تعبّدا.
وأجاب المحقّق العراقي عن هذا النقض بما حاصله : أنّ مثل قاعدتي الفراغ والتجاوز الجاريتين لتصحيح ما أتى به من عمل ليستا من قبيل ورود أصل عملي ترخيصي ناف للتكليف عن بعض أطراف العلم الإجمالي ؛ وذلك لأنّ قاعدة الفراغ مثلا بعد جريانها يثبت بها أنّه المكلّف قد امتثل للصلاة ، وأنّه أدّى المأمور به وفرغت ذمّته وخرجت عن عهدة التكليف.
وهذا يعني أنّه قد حقّق الموافقة القطعيّة للمأمور به ، غاية الأمر أنّ هذه الموافقة القطعيّة ثابتة بالتعبّد لا بالوجدان ، ونحن حينما نوجب الموافقة القطعيّة لا نحصرها في الموافقة القطعيّة الوجدانيّة ، بل الأعمّ منها ومن الموافقة القطعيّة التعبّديّة ، فيكون دليل الفراغ والتجاوز موسّعا لدائرة الموافقة القطعيّة لتشمل كلا النحوين من الموافقة القطعيّة.
وعليه ، فالمكلّف لا يحتمل عدم الموافقة المساوقة للمخالفة الاحتماليّة ، بل هو تعبّدا قد حقّق الموافقة القطعيّة.
وهذا خلافا للأصول الترخيصيّة الجارية في بعض الأطراف ، فإنّها تنفي التكليف عنها أي أنّها تفكّك بين العلّة ومعلولها وهو ممتنع.
فمثل البراءة ، أو أصالة الطهارة ، أو أصالة الحلّ ؛ إذا أريد إجراؤها في بعض الأطراف كان لازمها أنّ هذه الأطراف لا تكليف فيها مع وجود العلّة المقتضية للتكليف أي العلم الإجمالي ، فيلزم محذور المخالفة الاحتماليّة ومحذور عدم براءة الذمّة يقينا عمّا اشتغلت به يقينا.
فحال العلم الإجمالي حال العلم التفصيلي في ذلك ، فكما أنّ قاعدتي الفراغ والتجاوز تجريان مع العلم التفصيلي ، مع أنّه لا شكّ عندهم في كونه منجّزا لمعلومه على نحو العلّيّة فكذلك الحال في العلم الإجمالي أيضا ، بمعنى أنّه لا مانع من جريان
__________________
(١) مقالات الأصول ٢ : ٢٣٨.