اعترض المحقّق النائيني على هذا الاستدلال بمنع علّيّة العلم التفصيلي لوجوب الموافقة القطعيّة ، فيكون المنع عن علّيّة العلم الإجمالي فيها أوضح ؛ لأنّه ليس أشدّ تأثيرا من العلم التفصيلي.
وأمّا كيف لا يكون العلم التفصيلي علّة لوجوب الموافقة القطعيّة؟ فلأنّه يعقل الترخيص في المخالفة الاحتماليّة بلحاظه في بعض الموارد كما في قاعدتي الفراغ والتجاوز ، ومع إمكان الترخيص في المخالفة الاحتماليّة فيه لا يكون علّة لوجوب الموافقة القطعيّة ؛ إذ لا يمكن اجتماعهما معا.
وتوضيحه : أنّنا إذا علمنا بوجوب الصلاة فهذا علم تفصيلي ، فإذا شككنا أثناء الصلاة في الإتيان بالقراءة بعد تجاوز محلّها لا تجب إعادتها ، وكذا لو شككنا في أنّ الصلاة كانت صحيحة أم لا بعد الفراغ منها لا تجب إعادتها ، فلو كان العلم التفصيلي علّة لوجوب الموافقة القطعيّة لكان اللازم الإعادة من جديد تحصيلا للموافقة القطعيّة ، فالاكتفاء بما أتى به معناه أنّه يكتفي في الموافقة الاحتماليّة المساوقة للمخالفة الاحتماليّة أيضا ؛ إذ قد لا يكون قد أتى بالقراءة أو قد يكون قد صلّى صلاة فاسدة ، فلا تكون ذمّته بريئة حينئذ.
وبتعبير آخر : أنّ العلم التفصيلي لو كان علّة لوجوب الموافقة كان اللازم الإتيان بصلاة واجدة لجميع الشرائط والأجزاء يقينا ؛ لكي تحصل البراءة اليقينيّة وتفرغ الذمّة يقينا ممّا اشتغلت به ، والحال أنّنا نجد أنّهم يتّفقون على الاكتفاء بالصلاة التي صلاّها إعمالا لقاعدتي الفراغ أو التجاوز ، مع أنّه يحتمل المخالفة معهما.
فحيث إنّ العلم التفصيلي حاله كذلك فالعلم الإجمالي يكون مثله ؛ إذ لا يعقل كونه أشدّ تأثيرا من العلم التفصيلي في التنجيز.
فتحصّل ممّا ذكر : أنّ العلم الإجمالي ليس علّة لوجوب الموافقة القطعيّة كالعلم التفصيلي ، ولذلك كما يعقل الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة المساوقة للمخالفة الاحتماليّة ، كذلك يعقل ورود الترخيص الشرعي في بعض الأطراف ؛ لأنّ نتيجته هي الموافقة الاحتماليّة المساوقة للمخالفة الاحتماليّة أيضا ، من دون فرق بين الموردين.
وهذا يعني أنّ العلم الإجمالي مقتض لوجوب الموافقة إلا أنّه معلّق على عدم ورود الترخيص من الشارع.