الواقع ، والواقع لا يمتثل إلا بالطرفين لا أحدهما ، فكان العلم الإجمالي علّة لوجوب الموافقة القطعيّة من باب تحصيل الفراغ اليقيني ، ومن باب دفع الضرر والعقاب المحتمل فيما إذا فعل أحدهما وترك الآخر.
وما دام العلم الإجمالي علّة لوجوب الموافقة القطعيّة فكما يستحيل فعل أحد الطرفين وترك الآخر لما ذكرنا ، كذلك يستحيل صدور الترخيص في بعض الأطراف دون الآخر ؛ إذ من المحتمل أن يكون الواقع هو ذاك الطرف الذي تركه فيكون ترخيصا في المخالفة ووقوعا في الضرر والعقاب ، ولا تكون الذمّة بريئة وخارجة عن العهدة.
وبتعبير آخر : أنّ العلم الإجمالي إن كان متعلّقا بالجامع من دون أن يسري إلى الحدّ الشخصي فلا يوجد مقتضي أصلا لوجوب الموافقة القطعيّة ؛ لأنّ الجامع يكفي في تحقّقه الإتيان بفرد واحد وتبرأ الذمّة به.
وإن كان متعلّقا بالواقع كما هو مختار المحقّق العراقي فيكون العلم الإجمالي علّة لوجوب الموافقة القطعيّة كما كان علّة لحرمة المخالفة القطعيّة ، على أساس أنّ شأن العلم مع معلومه هو شأن العلّة مع معلولها ، بحيث يكون العلم هو العلّة لتنجّز المعلوم ، وحيث إنّ العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي متعلّقا بالواقع ولا فرق بينهما من هذه الناحية فيكون حالهما واحد ، والمفروض أنّ العلم التفصيلي علّة لتنجّز معلومه فالعلم الإجمالي مثله.
ومجرّد كون الصورة الذهنيّة للعلم الإجمالي فيها غموض وتشويش وعدم وضوح لا يعني أنّ الواقع كذلك ، بل الواقع ليس فيه غموض وتشويش في نفسه وإنّما صورته كذلك ، إلا أنّ العلم تعلّق بالواقع المحكي بالصورة لا بنفس الصورة كما هو واضح.
واعترض عليه المحقّق النائيني رحمهالله (١) بأنّ العلم الإجمالي ليس أشدّ تأثيرا من العلم التفصيلي ، والعلم التفصيلي نفسه يعقل الترخيص في المخالفة الاحتماليّة لمعلومه ، كما في قاعدتي الفراغ والتجاوز ، وهذا يعني عدم كونه علّة لوجوب الموافقة القطعيّة ، فكذلك العلم الإجمالي.
__________________
(١) فوائد الأصول ٤ : ٣٤.