أخذ في موضوعها الشكّ فقط ، بينما الثانية أخذ الشكّ مع الكشف ، إلا أنّهما معا نشئا من أهمّيّة ملاكات الترخيص الواقعيّة.
فالبراءة تفيد الترخيص ولكن بلسان نفي التكليف ابتداء ، والفراغ تفيد الترخيص لكن بلسان تحقّق المأمور به ووقوعه تعبّدا ، فإنّ هذا لازمه نفي التكليف عن وجوب الإعادة مثلا والاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة المساوقة للمخالفة الاحتماليّة ، ولكن بعد فرض أنّ هذه الموافقة الاحتماليّة تكفي في المقام كالموافقة القطعيّة ، وإلا فبالدقّة لا يوجد موافقة قطعيّة حقيقيّة ؛ إذ يحتمل ألاّ يكون قد قرأ أو يحتمل أن تكون صلاته باطلة لنقصان ركوع أو وضوء مثلا.
فإذا اتّضح لنا ذلك لم يكن هناك معنى للقول بأنّ قاعدتي الفراغ والتجاوز تجريان في بعض أطراف العلم الإجمالي كما تجريان في العلم التفصيلي ، بينما مثل أصالة البراءة والطهارة ونحوهما لا يجريان في بعض الأطراف.
بل التحقيق هو إمّا أن يلتزم بعدم جريان الجميع أو يلتزم بجريان الجميع.
والصحيح : هو عدم علّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة ؛ لأنّ الترخيص الظاهري في بعض الأطراف له نفس الحيثيّات المصحّحة لجعل الحكم الظاهري في سائر الموارد.
هذا كلّه بحسب مقام الثبوت.
والصحيح : عدم علّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة.
وبيان ذلك : أنّنا إذا قلنا بمقالة المشهور في حقيقة الحكم الظاهري ، وفي الحكم العقلي الأوّلي ، كان الصحيح ما ذهب إليه المحقّق العراقي من علّيّة العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي لوجوب الموافقة القطعيّة كحرمة المخالفة القطعيّة.
وأمّا إذا قلنا بالمبنى المختار والصحيح في حقيقة الحكم الظاهري وفي حكم العقل بحقّ الطاعة ، كان الصحيح ما ذهب إليه المحقّق النائيني من اقتضاء العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي لوجوب الموافقة القطعيّة ، وذلك لأنّنا قلنا : إنّ حكم العقل بوجوب الطاعة والامتثال وحرمة المخالفة والمعصية معلّق على عدم ورود الترخيص من الشارع ، وهذا الترخيص قلنا : إنّه يستحيل في موارد العلم التفصيلي ؛ للتنافي ولعدم الجدّيّة ، وقلنا : إنّه ممكن عقلا في موارد العلم الإجمالي إلا أنّه غير ممكن عقلائيّا.