الترخيص في الطرفين كلّ منهما مشروط بعدم الآخر وبين الإلزام الواقعي في جميع مراحل الحكم : الجعل والمبادئ والامتثال (١).
هذا على أنّ بالإمكان تصوير الترخيصات المشروطة على نحو لا يمكن أن تصبح كلّها فعليّة في وقت واحد ليلزم الترخيص القطعي في المخالفة الواقعيّة ، وذلك بأن تفترض أطراف العلم الإجمالي ثلاثيّة ، ويفترض أنّ الترخيص في كلّ طرف مقيّد بترك أحد بديليه وارتكاب الآخر.
ثمّ إنّنا لو سلّمنا بأنّ المخالفة القطعيّة العمليّة مستحيلة في نفسها سواء حصل منها مخالفة عمليّة واقعيّة أم لا ، فهذا إنّما يتصوّر فيما إذا كان الترخيص المشروط بها على هذا النحو.
فإذا كان لدينا علم إجمالي بوجوب الجمعة أو الظهر وكان تصوير البراءة على أنّه يجوز ترك الظهر إذا لم يترك الجمعة والعكس ، فإنّه إذا صلّى الصلاتين فيكون شرط جريان البراءة في كلّ منهما محقّق ؛ إذ شرط جريان البراءة في صلاة الظهر ألاّ يترك الجمعة ، والمفروض أنّه لم يتركها ؛ لأنّه صلاّها فيكون مرخّصا في الظهر ، وشرط جريان البراءة في الجمعة ألاّ يترك الظهر والمفروض أنّه صلاّها فيكون مرخّصا في الجمعة.
وهذا يعني أنّه إذا صلاّهما معا يكون مرخّصا في تركهما وغير واجبين عليه ، وهذا تناقض بلحاظ الاعتقاد لا العمل.
__________________
(١) فلا يبقى وجه لما ذكره السيّد الخوئي إلا القول بأن نفس الترخيص القطعي في المخالفة مستحيل صدوره ، سواء أدّى إلى المخالفة الواقعيّة العمليّة أم لا ، وهذا الوجه لا محصّل له إذ لا معنى لافتراض الاستحالة في الحكم الترخيصي في نفسه ، وإن لم يؤدّ إلى المخالفة العمليّة الواقعيّة.
بل إنّ هذا الفرض ممنوع في نفسه ؛ لأنّ المكلّف إذا علم بصدور الترخيص القطعي في المخالفة كان مستحيلا ، وأمّا إذا لم يعلم به فلا يكون صدوره مستحيلا ، إذ مع عدم علمه به لن يقطع بالترخيص القطعي ، فهذا من تعليق الاستحالة على فرض العلم مع أنّ الاستحالة من الأمور الواقعيّة.
فإنّ النقيضين مثلا لا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما سواء علم المكلّف بذلك أم لا ، ولا مدخليّة لعلمه أو جهله في ثبوتها أو ارتفاعها.